الظاهرة التي أحرجت و أربكت تتفاقم …«الأطفال العمّال» يتوهون بين إلحاح الحاجة و«شغف» أصحاب العمل بالبدلات الرخيصة
تشرين- إلهام عثمان:
الفقر هو السبب الرئيس لعمالة الأطفال في معظم الأحيان، فالعمل يضع أعباء ثقيلة على الطفل، ويحرمه من طفولته البريئة، ويهدد سلامته وصحته البدنية والنفسية، بعض أرباب العمل قد يستفيدون من ضعف الأطفال، وعدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم، فيلجؤون لتشغيلهم لكون عمالته أرخص من عمالة الكبار فيكونون الحل البديل لجشعهم.
فادي وهبه أحد هذه الحالات، يقول: عمري 12 عاماً وأنا أعمل في محل لبيع الخردة و والدي متوفى مذ كنت في السابعة من عمري، وأمي مريضة وهي ربة منزل ما اضطرني للعمل، وأعمل هنا منذ سنتين بعد المدرسة لتأمين قوتنا، فراتب أبي التقاعدي لا يسد رمقنا.
أما ربا ديوب طفلة في 14 من العمر فتقول: أعمل في المكتبة منذ سنة حيث أقوم بطباعة وتصوير المستندات، وأجد ذاتي في هذا العمل، رغم أن البعض يجد العمل في المكتبة غير مفيد ومضيعة للوقت، أتقاضى ١٥٠٠٠٠ شهرياً مقابل ٧ ساعات عمل يومياً، وسعيدة بذلك لكوني اكتسبت بعض الخبرات في التعامل مع الزبائن، فأصبحت ذات شخصية قوية وقادرة نوعاً ما على التعامل مع بعض المواقف الحياتية، وأجد العمل ممتعاً لي.
التعنيف
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، في حال تم استغلال أو تعنيف الأحداث من قبل أرباب العمل أو الأهل، هل من قانون يحميهم، ماذا لو لم تمكنهم قدراتهم الجسدية أو خجلهم من حماية أنفسهم من خطر يحدق بهم، هل من عقوبات أفردها القانون السوري لحماية براعمنا المستقبلية، وهل هناك سن معين لعمل الأحداث؟ وغيرها من التساؤلات التي قد تخطر للبعض.
المشرّع السوري وضع عدة قوانين لحماية الأطفال في حال تم تشغيلهم، ولاسيما القانون 21/ لعام 2021
ومن أجل الإجابة عن هذه الأسئلة التقت “تشرين” مدير مديرية تفتيش العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمد رمضان الذي أوضح أن المشرّع السوري وضع عدة قوانين لحماية الأطفال في حال تم تشغيلهم، ولاسيما القانون 21/ لعام 2021 حيث إن المشرّع قام بتشديد العقوبات بحق أرباب العمل في حال تم تعنيف أو استغلال الأطفال بفرض عقوبات تصل للسجن والغرامة المالية معاً، وأضاف رمضان: إن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 وتعديلاته أفرد باباً خاصاً لتشغيل الأحداث ممن أتموا سن الخامسة عشرة.
محظورات ومسموحات
حظر القانون من تشغيل الأحداث أكثر من 6 ساعات يومياً،على أن تتخلل ساعات العمل فترات راحة وطعام لا تقل بمجموعها عن الساعة الكاملة، وكذلك تكليف الحدث بساعات عمل إضافية، وإبقاؤه في العمل بعد مواعيد العمل المقررة، وتشغيله في أيام الراحة أو ليلاً.
لافتاً إلى أن القانون اشترط على صاحب العمل قبل تشغيل الحدث مستندات من ولي الأمر تثبت قدرته الصحية على ممارسة العمل الموكل إليه، كما نصّ على استحقاق الحدث إجازة سنوية مأجورة مدتها 30 يوماً.
أما القرار الوزاري رقم 12 لعام 2010 فقد حدد الأعمال التي لا يجوز تشغيل الأحداث فيها وهي: الأعمال التي تؤدى تحت الأرض، العمل في المناجم والمحاجر والكسارات، أعمال الدهان، أعمال الغطس، محطات تعبئة الوقود، العمل في الغابات وقطع الأشجار.
كما نص قانون رقم 5 على الصناعات التي لا يجوز تشغيل الأحداث فيها ألا وهي:
صناعة المفرقعات والمواد المتفجرة، الإسمنت، الكيماويات، معالجة الإسفلت،الغراء، الدباغة، المشروبات الكحولية.
أما المهن التي لا يجوز تشغيل الأحداث فيها فهي: الحدادة واللحام بالأوكسجين، إصلاح البطاريات، استخراج البترول وتكريره، طبخ الدماء والعظام.
مقابل المهن والحرف التي أجاز القانون السوري تشغيل الأحداث فيها والتي لا تؤثر في نموهم الجسدي والنفسي والعاطفي وهي وفقاً لرمضان: المؤسسات التجارية والإدارية والأعمال المكتبية، الأندية الرياضية، بيع وتنسيق الزهور، مؤسسات علاج المرضى والعجزة والمسنين والأيتام.
العقوبات
كما أوضح رمضان لـ”تشرين” العقوبات والأحكام التي أوجدها القانون السوري لحماية الأطفال، إذ أوجب قانون العمل على مفتشي العمل بذل عناية خاصة بالتحقيق في الشكاوى المتعلقة بعمل الأحداث التي يتقدم بها الأحداث أنفسهم أو أولياء أمورهم ومعالجة الشكاوى بشكل عاجل.
وفرض قانون العمل على من يخالف الأحكام السابقة غرامة مالية لا تقل عن 25000 ليرة ولا تزيد على 50000 ليرة وتتعدد الغرامة بتعدد المخالفات، وتتضاعف على رب العمل في حال تكرار المخالفة.
كما نوه رمضان بأن قانون العلاقات الزراعية رقم 56 لعام 2004 ، منع تشغيل الأحداث في الأعمال الزراعية قبل اتمامهم 15 عاماً، ومنع تشغيلهم ليلاً، وعدم تشغيلهم من دون موافقة أولياء أمورهم الخطية، وعدم تشغيلهم في أعمال لا تناسب أعمارهم، مرتباً مسؤولية جزائية على صاحب العمل وعلى ذويه، فالذي يشغّل حدثاً وفقاً لما نصت عليه أحكام القانون عقوبة مالية تتراوح بين 2000- 7000 ليرة وتتضاعف في حال التكرار.
مدير “تفتيش العمل”: هدف الشؤون الوصول إلى تنظيم حُزم اجتماعية متكاملة للقضاء على هذه الظاهرة
أما قانون التسول رقم 16 لعام 1976 الذي عاقب المتسول الذي له موارد ويقوم بالاستجداء لمنفعته الخاصة أو تحت ستار أعمال تجارية بعقوبة الحبس لمدة شهر واحد على الأقل وتصل إلى6 أشهر ويوضع المتسول في دار التشغيل في حال التكرار .
أما قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 و الذي نص على معاقبة كل من يدفع قاصراً دون 18 من عمره إلى التسول جراً لمنفعة شخصية بالعقوبة من ستة أشهر لسنتين وبغرامة مالية 100000 ليرة.
وأضاف أن الواقع العملي بالنسبة للمتسولين والمتشردين ومن تتم ملاحقتهم وتقديمهم للقضاء هم الأطفال أو شبكات التسول التي تقوم بتشغيل الأطفال والنساء سواء أكانوا كباراً أو صغاراً.
وحسب رمضان فقد صدقت سورية على اتفاقية العمل الدولية رقم 138 لعام 1973 المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم 23 لعام 2001 واتفاقية العمل العربية لعام 1996 بشأن أعمال الأحداث التي أقرها مؤتمر العمل العربي في دورته الثالثة والعشرين، واتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها.
مسح مبدئي
وفي إجابة عن سؤال: هل هناك خطة منهجية لمسح القوى العاملة من الأطفال؟
أوضح رمضان أن عمالة الأطفال إحدى المشكلات الخطيرة التي تواجه المجتمع، لما تشكله من خطر عليه وعلى الأجيال الواعدة في المستقبل وعليه تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من خلال الإصلاحات والمهام الممنوحة لها بموجب مرسوم إحداثها و القوانين والأنظمة النافذة لعملها على مراقبة تطبيق أحكام قانون العمل رقم 17 لعام 2010 وتعليماته التنفيذية من خلال مؤسسة تفتيش العمل، ولاسيما عمل الأحداث وفرض الغرامات بحق المخالفين من أصحاب العمل والتأكد من إزالة المخالفات، وقد قامت الوزارة مؤخراً بداية عام 2023 بالتعميم على دوائر التفتيش لدى مديرياتها والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين بضرورة التقيد بأحكام القانون رقم 21 لعام 2021 و17 لعام 2010 وتعديلاته، ولاسيما عمل الأحداث واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق أصحاب العمل المخالفين الذين يشغّلون الأطفال الذين لم يتموا سن 15 عاماً من عمرهم، والإجراءات القانونية الواجب اتباعها في حال تشغيل أطفال أتموا سن 15 ، الأمر الذي نصل فيه إلى مسح مبدئي لعمالة الأطفال.
انعكاسات اجتماعية
هل هناك انعكاسات إيجابية أو سلبية لظاهرة تشغيل الأطفال على الصحة النفسية والمعنوية والاجتماعية للطفل؟
يلفت رمضان إلى أن عمل الأطفال بشكل عام مرجعه الحاجة المادية، والعامل الاقتصادي هو حجر الأساس في هذا الموضوع، وتقوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل جاهدة للعناية بهؤلاء الأطفال وتعمل على رعايتهم ودعمهم وتقديم كل أنواع الرعاية لهم، ولاسيما أولئك الأطفال الذين لا معيل لهم ممن اضطرتهم الظروف للعمل وكسب لقمة العيش. وفي سبيل القضاء على هذه الظاهرة بشكل عام، لابدّ بالتالي من تنظيم عمل الأطفال وفق الضوابط القانونية المذكورة أعلاه بما ينعكس إيجابياً، أما عمل الأطفال غير المنظم والذي لا يتوافق مع النظم القانونية التي ذكرت فإنها تنعكس سلباً على الطفل والمجتمع معاً.
خطط مستقبلية
وختم رمضان بأن الوزارة و بالتنسيق مع المنظمات الدولية التي تعنى بعمل الأطفال تقوم بوضع برامج للحد من ظاهرة عمالة الأطفال والإجراءات الكفيلة للحد من أشكال عملهم الأمر الذي يؤدي إلى تنظيم حُزم اجتماعية متكاملة للقضاء على تلك الظاهرة.