ظاهرة بحاجة إلى استدراك بطريقة تصالحية لا قسرية… التقاعد المبكر هاجس موظفي القطاع العام للبحث عن فرص عمل أفضل
تشرين- بشرى سمير:
بات الكثير من الموظفين يقدمون على ترك العمل قبل الوصول إلى سن التقاعد، أملاً في إيجاد عمل يدر عليهم مالاً أكثر، ويتخلصون من الدوام الروتيني للعمل الإداري وساعاته الطويلة، مقابل راتب شهري زهيد لا يكفي الاحتياجات الأساسية.
القطاع الخاص
يقول الموظف محمد إنه قرر ترك العمل في إحدى مؤسسات الدولة بمجرد انقضاء 32 عاماً على خدمته فيه، مشيراً إلى أنه التحق بالعمل بعد حصوله على الثانوية العامة، وآثر التقاعد المبكر من أجل البحث عن عمل في القطاع الخاص لتحسين دخله، إذ من المعروف أن الأجور في القطاع الخاص، هي ثلاثة أضعاف الرواتب والأجور في القطاع العام، ويمكن القول: إن الكثير من الموظفين باتوا يبحثون عن أعمال تجعلهم يقدمون على التقاعد المبكر، بحيث يتخلصون من نظام العمل الروتيني المحدد بدوام ثابت.
فيما أشار العامل محمد أن لديه خمسة أولاد، ثلاثة منهم في الجامعة، واثنان في المدرسة، وما يتقاضاه من راتب لا يكفي أولاده أجوراً للمواصلات، الأمر الذي دفعه إلى ترك العمل والتقاعد مبكراً، والبدء بمشروع صغير لبيع الألبسة المستعملة مع أحد أصدقائه، لافتاً إلى أن ما يربحه في اليوم يعادل ما كان يتقاضاه في الشهر.
بيئة العمل
محمد علي عمره 50 عاماً أشار إلى أن ما دفعه إلى التقاعد المبكر وترك العمل، وجود بيئة عمل غير جيدة، حيث أصبحت المحسوبيات هي المسيطرة في أجواء العمل، ومن يرضا عنه المدير يحظى بالمكافآت والتعويضات، وغابت العدالة والمعيار الحقيقي لتقييم الأداء، لذلك لم أعد قادراً على الاستمرار، وقررت الاستقالة على الأقل لعلّي أحظى بفرصة عمل في القطاع الخاص أفضل، وطالما أن الموظف المتقاعد في وقت مبكر باتت لديه خبرة جيدة في مجاله، فيمكنه العمل مع الشركات الخاصة، وهناك الكثير من الشركات والمشاريع التي تحتاج بشكل دوري إلى خبراء يحملون في جعبتهم خبرات بنوها عبر العقود للاستفادة من نصائحهم.
التأمينات الاجتماعية: وفِّينا بالتزاماتنا تجاه المتقاعدين والمستحقين
ولفتت هدى عبدو إلى أنها استقالت لأنها تعبت، وكبر أولادها، وباتوا قادرين الاعتماد على أنفسهم، مشيرة أنها فكرت بالعمل في التدريس، وإعطاء دروس خصوصية ضمن المنزل لطلاب الشهادات، وخاصة أن المتقاعدين مبكراً لم تعد تناسبهم إلّا أنواع معينة من الأعمال غير المجهدة، والتي لا تجعلهم مضطرين إلى التعرض للإرهاق المستمر.
استنزاف أموال الضمان
الخبير الاقتصادي حسان شيخ الأرض بين أن عدد المتقاعدين 750 ألف متقاعد، وعدد العاملين في الدولة مليوني عامل وموظف، وأن التقاعد المبكر يتسبب باستنزاف أموال الضمان، تبعاً لاستفادة المتقاعد مبكراً من راتبه التقاعدي لسنوات طويلة، تتعدى بكثير السنوات المفترض الاستفادة منها في حال تقاعد الشيخوخة عند ستين عاماً، والتي لا تتعدى مدة عشر سنوات بالمتوسط، وأشار إلى عدم رغبة الحكومة بالتقاعد المبكر، إذ إنه في كثير من الأحيان يكون وسيلة للتخلص من غير المرغوب بهم بالوظيفة، عبر إحالتهم إلى التقاعد المبكر، وفتح فرص عمل للشباب ليحلوا مكانهم.
المعاش التقاعدي
مدير الشؤون التأمينية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أيمن المدني، أشار إلى أن المؤسسة أوفت بكامل التزاماتها تجاه المتقاعدين، والمستحقين عنهم خلال السنوات الماضية، حيث أجاز القانون للعاملين انتهاء الخدمة بسبب إتمام المؤمن عليه سن 56 سنة، والمرأة المؤمن عليها سن 50 سنة، وبلوغ مدة الخدمة المحسوبة في المعاش 240 اشتراكاً شهرياً على الأقل، كما يتم إنهاء الخدمة بناء على طلب المؤمن عليه، إذا بلغت خدماته المحسوبة في المعاش 300 اشتراك شهرياً على الأقل، من دون التقيد بشرط السن، ولفت مدني إلى أن معاش الشيخوخة أو التقاعد يعد من أهم أنواع المعاشات التي تقدمها المؤسسة، لكونه يعد تفاعلاً مباشراً من المؤمن عليه مع المؤسسة، وحصيلة سداده للاشتراكات التأمينية أثناء تأديته لعمله، والفقرة السابقة سمحت بالتقاعد المبكر من دون شرط تحقيق سنوات معينة، وبالتالي تعدّ من أهم المزايا في قانون التأمينات الاجتماعية.
خبير: التقاعد المبكر وسيلة للتخلص من غير المرغوب بهم بالوظيفة وفتح فرص عمل للشباب ليحلوا مكانهم
وأضاف مدني: القانون رفع سقف نسبة المعاش التقاعدي من 75% إلى 80% من قيمة راتب الموظف قبل التقاعد، وبهدف تطوير الأداء والارتقاء بالعمل، وتبسيط الإجراءات ولتوفير الوقت والجهد على المتقاعدين، أصدرت المؤسسة التعميم رقم 3880 -11 الصادر بتاريخ 6-9-2019 مرفقاً بنموذج موحد، إلى كافة الجهات العامة لإرفاق الوثائق الخاصة بتصفية مستحقات العامل، وعملت المؤسسة على إقامة الدورات بإشراف مختصين للمعنيين في الجهات العامة في إنجاز معاملات نهاية الخدمة، حرصاً منها على ضرورة استكمال كافة الوثائق اللازمة، لسرعة إنجاز المعاملة، وعرضها على الجهاز المركزي للرقابة المالية للتأشير عليها أصولاً.
وبيّن المدني أن المؤسسة من خلال كوادرها العاملة في فروعها في المحافظات، بذلت جهوداً كبيرة ومتواصلة خلال سنوات الحرب القاسية، وقامت بالوفاء بكامل التزاماتها تجاه المتقاعدين، والمؤمن عليهم في كافة المحافظات، وفي الأماكن الآمنة، ودفعت مئات المليارات وهي الآن تدفع شهرياً حوالي 38 مليار ليرة.