عن القطبة المخفية بين المعلم وطلابه
تشرين- ديما الخطيب:
التقدير والامتنان هو أرقى أنواع المشاعر الإنسانية التي تمنح قيمة حقيقية لكل شيء يستحق هذه القيمة، وثقافة التقدير وإن لم تكن معدومة فهي شحيحة في بلادنا، تبدأ بالتربية ولا تنتهي على عتبات المدارس. فهل نقدر هذا البنّاء الأول للإنسان في وطننا حق قدره؟
أذكر حين كنا صغاراً كنا نغيّر طريقنا إذا لمحنا معلمتنا تمر فيه، خجلاً وحياءً وقيمة لقدرها، حتى إني وبعد تخرجي بسنوات من قسم “الصحافة” – هكذا كان يطلق عليه آنذاك- لمحت دكتورة مادة الكتابة الصحفية، وكانت معروفة بشدّتها وقسوتها، فما كان مني إلا أن اختبأت تحت الطاولة كالأطفال، وفي حادثة ثالثة ليست بالبعيدة تحدثت إحدى قريباتي وكانت في الصف الحادي عشر عن معلمتها بكثير من قلة الاحترام، وهي تحكي لنا قصة ضرب زميلاتها للمعلمة بورق مبروم وهي تكتب على السبورة، وفي الحال ودون أن أشعر أغلقت فمها بيدي قبل أن تلتقط ابنة أخي الصغيرة التي كانت تجلس بجوارنا هذه “التفاحة النتنة” فتترسخ في لاوعيها، ورحت أكمل القصة بأن المعلم بقداسة الوالدين.
في الجريمة المخجلة واللاإنسانيّة التي وقعت في حماة، وذهب ضحيتها مدير مدرسة ابتدائية، والتي جعلتني اطأطئ رأسي خجلاً منها، لم أفكر في إدانة المراهق الأرعن الفاشل المنقطع زمناً عن التعليم والتربية فحسب، فالطفل في النهاية عجينة ليّنة يشكلها الأهل والبيئة والمدرسة كيفما يشاؤون، ولعل من يجب أن يلام قبله هم المسؤولون عن قوانين وزارة “التربية” الأخيرة، والتي نقلت العصا من يد المعلم إلى يد الطالب، متجاهلةً أن هذا المعلم أحد أهم أعمدة البنية التدريسية، تاركةً المعلمين يواجهون تهديد الطلاب والأهالي برفع شكوى لوزارة التربية حول أقل مشادّة دون أدنى خجل، ليبقى المعلم واقفاً بلا ظهر يحميه من سوء تصرفات غالبية هذا الجيل سوى عضلاته الشخصية، ودهائه وسرعة بديهته في تفادي المواقف، وربما رجليه في الهرب.
“لا تنتصر الأمم إلا باحترام المعلم، عندما تسقط قيمة المعلم فأعلم أن هذا دليل على انهيار القيم والأخلاق، ولا سبيل للنجاة والرفعة إلا برد الإعتبار للمعلم مادياً ومعنوياً” الكلام للباحث الآثاريّ والكاتب نصر فليحان كان نشره منذ أيامٍ على صفحته الاجتماعية مرفقاً إياه بفيديو مؤثر لتكريم مدرب طيران من قبل طلابه السابقين على متن طائرة في تركيا.
إن أقل واجب تربوي وأخلاقي يتحتم علينا التفكير به اليوم هو رفع راتب المعلم والذي لا يكاد يكفيه أجور نقل إلى مكان عمله وحسب، حتى يغطي كفاف يومه وحاجات عائلته ويسمح لهم بالعيش بكرامة، دون أن يضطر إلى تقديم دروسٍ خصوصية لأولادٍ قد يكون مصروفهم اليومي يعادل مرتبه الشهري، كما يجب تخصيص مبيت “باصات” لنقلهم من وإلى مكان عملهم وإعادتهم كل يوم آمنين، وإيفاد حرس “مسلح” أو عنصر أمن لحماية المدرسة وكادرها من بطش المجرمين، كما نتمنى على وزارة التربية عدم اخذ شكاوي الأهالي –ومعظمها تكون كيديّة- إلا بعد تقصّي الحقائق وسؤال الشهود، ومراجعة كاميرات المراقبة، إن وجدت.
أنا لن أطالب بغسل أرجلهم كل يوم ولا الانحاء لهم تبجيلاً كل صباح، ولا تنظيف المدرسة من قبل الطلاب لتهذيب نفوسهم، ولكن يمكن على الأقل استبدال حصة (الوجداني) التي أضيفت مؤخراً على المناهج بحصة أخلاق، تحض على احترام المعلمين بل وتقديسهم وتنمية القيم التربوية والأخلاقية، ويفضل حضور الأهالي هذه الحصص قبل أولادهم، فلا يمكن لطفل تلقى تربية سليمة أن يهين معلمه بأي شكل، فكيف بجرأة ضربه أو طعنه!!
السلام والرحمة لكل شهيد قضى نحبه وهو على رأس عمله المقدس، يحاول كادّاً رفع راية العلم والعمل والتربية والأخلاق، وتحية تقدير واحترام وتبجيل إلى كل معلم وإداري في كل مدرسة من مدارس الوطن على اتساعه.
سنرفع صوتنا عالياُ حتى يعاد إليكم ما فقدتموه في السنوات الماضية من تقدير، ولن يهنأ لنا بال حتى يأتي عيدكم القادم وقد حدث تغييراً جذريّاً في النظام التربوي يجعل كلمة المعلم هي العليا في المدرسة وخارجها.