زوربا البوذا .. وجوهرُ الذات البشريّة
تشرين- حنان علي:
« يزيد نضجُ المرء كلما أوغل بعيداً داخل نفسه، في تلك اللحظة بالذات، يختفي الشخص ويبقى وجودُه! تختفي النفْس ويبقى الصمت، تختفي المعرفة وتبقى البراءة».
تشاندرا موهان جاين المتصوف المستنير الذي لم يولد أبداً، ولم يمت أبداً، (أوشو) معلِّم الزِنْ الهندي كما يعُرّف عنه، الذي زار أرض الهند ما بين 11 كانون الأول 1931 حتى 19 كانون الثاني 1990 ليقضي منها ثلاثين عاماً في محاورة ومناقشة أفكار حكماء العالم، محاولاً طرح رؤى جديدة حول الأشياء الخاصة المحيطة بالإنسان ومعيداً الحياة إلى: أوبانيشاد، جوردجيف، كريشنا، بوذا، والزرادشتيّة.. ناثراً آراءه حول الهاسيدز والصوفية واليوغا والتانترا والتاو ، ومستقطباً الحكمة من كلِّ حدبٍ وصوب.
وفي سبيل الوصول إلى معنى للحياة، حاول أوشو خلق مناخ لبزوغ نوعية جديدة من البشرية يمكنها الارتقاء بأرواحها وإدراك وجودها وعلاقاتها في هذا الكون؛ روحانية الشرق نسجها الفيلسوف الهندي مع الفكر العلمي الغربي، جاعلاً من أساليب التأمل جزءاً من الحياة اليومية للإنسان لتحقيق صفائه النفسي والروحي.. فما من رحلة أشد مجازفة من مشقة البحث عن الذات و تفسير سببٍ للوجود، خاصة أن السرّ كامن في أعماق الوعي. أما الحرية فلن ينالها المرء حتى يطلق سراح التفاصيل الصغيرة التي شغلته عبر الزمن .
«علينا أن نُظهر وجهنا الحقيقي مهما كان الثمن»
الإنسان نفسه وفق قناعة أوشو، لا يريد أن يكون مثله مثل الآخرين.. لكنه لا يملك الشجاعة والنضج في أن يكوّن ذاته الخاصة به؟! لعلّ رغبته بمماثلة البعض لم تنشأ من رغبة داخلية، وإنما بسبب الرواسب الطفولية في مجتمعٍ ينذر بأنه (عليك أن تكون كذا.. لكي تدخل حيز الوجود! ).
«إن الإنسان الذي يسعى ليصبح كغيره يفقد نفسه أخيراً، فكل بذرة في حد ذاتها تحتوي على شجرتها الخاصة، لا توجد وسيلة أخرى لتكون أي شيء ما عدا ذاتك نفسها.. نحن نبتعد باسم التشبه بالأشخاص عن الحصول على مسار التنمية الذاتية.»
وما انفك أوشو موضحاً أن الإنسان الذي لا يعرف مدى عمق كيانه يتحول إلى «شيءٍ» معروض على واجهة متجر؛ ينتظر دائما أحداً ما ليأتي مقدراً قيمته فيا له من استجداء بائس! «إن كانت هذه صرختك الخاصة، فمعناه أنك حقا «شيء». أن يكون الإنسان حياً، لا يمكنه أن يمر عبر آلات النسخ، لن ينصف نفسه الحقيقية الفريدة من نوعها إلا حين يُسقط عنه الأكاذيب و المظاهر والعروض.
«لتعرف الوجود عليك أن تكون وجوديّاً. تظن أنك تعيش، لكنك لا تعيش، تظن أنك تحب، لكنك لا تُحب؛ أنت فقط تفكر في الحب، تفكر في الحياة، تفكر في الوجود. وهذا التفكير هو السؤال، هذا التفكير هو الحاجز. ارمِ الأفكارَ كلَّها وانظر: لن تجد سؤالاً واحداً، الإجابة فقط ما ستعثر عليه».