خيرات الأرض

الأب حسن سليمان الطبرة

سؤال إيجابي قلق، أطرحه على نفسي ومن ثم على إخوتي من أبناء وطني الغالي سورية الذي يعيش مفرزات حرب ظالمة فرضتها عليه قوى الشرّ العالمية، هذا السؤال: هو كيف نعيش في العالم؟ كيف نستعمل خيرات الأرض لكونها معطاةً من الله لكلّ البشر؟ سواء أكانت هذه الخيرات ثقافية أم معنوية أم اقتصادية، هناك إجماع من كل الديانات السماوية والوضعية بوجوب إشراك الآخر في هذه الخيرات، ولإيماننا، نحن معشر المؤمنين، بأنه بعد الحياة موت وبعد الموت حياة ثانية، بذلك تضيء مصابيح الديانات السماوية «كلمتك مصباح لخطاي ونوٌر لطريقي».
فالغنى بكلّ أشكاله الثقافية والمعنوية والمادية خاصة ليس طريقاً إلى الهلاك، إنما هو عطيةٌ من الله وهبة وبركة منه عزّ وجلّ.
إذاً، يريد الله غنى القلب والروح، وتتجلى قيمة الإنسان بما في قلبه وأخلاقه، كما أن الفقر بكلّ أشكاله أيضاً ليس طريقاً إلى السماء.
فالقصة إذاً بالنسبة لي كإنسان هي كيف أعيش؟
والتاريخ يشهد أن كثيراً من الأغنياء والملوك عاشوا أفخر الحياة، لكنهم عاشوا متجرّدين أغنياء بالقيم والأخلاق.
فالبوصلة إذاً هي «قلب الإنسان»، فإذا كان قلبي في شؤون الدنيا متجرداً منطلقاً من الله، ولم تكن ذاتي تعنيني، إذ أعيش الصبر ومفرزاته من آلام نفسية وروحية وجسدية.
فالمشكلة إذاً ليست خيرات الأرض، والغنى ليس مشكلة، لكنّ المشكلة تكمن في استعمالي لخيرات الأرض التي أحقق من خلالها ذاتي في كل النواحي الثقافية والمعنوية والاقتصادية، ولا أنسى إشراك الآخر ومساعدته في تحقيق ذاته في كل النواحي. إذاً فخيرات الأرض معدّة من الله للبشرية جمعاء، والملكية الخاصة مرهونة بمساعدة الآخر الأقلّ غنى وإشراكه في هذه الخيرات، ثقافية كانت أم معنوية أم اقتصادية.
بذلك أصل إلى النتيجة الصحيحة وهي ألا أتعلق بعطايا الله بكلّ أشكالها، بل أتعلّق بالمعطي الذي أغدق خيراته على البشرية جمعاء، فقيمة الإنسان بقلبه «اعطني قلبك»، ذلك يدعو الميسرين من أبناء وطني الغالي إلى فتح قلوبهم على الله ومن خلاله على إخوتهم، وترجمة هذا الانفتاح القلبي عطاء في كلّ مناحي الحياة.
بذلك أكون شريكاً لله في رحمته وعطائه، منكراً نفسي وباذلها في سبيل الآخرين، لأساهم في ردم الهوّة العميقة الفاصلة بين أغنياء وطني الذين لا يتجاوز عددهم الخمسة في المئة، وبين فقرائه المعوزين جداً في هذه الظروف العصيبة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار