شبّاك حبيبي.. رسالةُ عتابٍ من عاصي لفيروز والمرسال ملحم بركات
تشرين- سامر الشعري:
كان الموسيقار الراحل ملحم بركات الذي تحل هذه الأيام ذكرى رحيله السادسة أحد فرسان الغناء اللبناني الذين طلعوا من المسرح الرحباني، ليأخذ مكانه فيه بدءاً من الأدوار الثانوية وانتهاء بالبطولة المطلقة.
وبعد أن لعب في مسرحيات الأخوين رحباني أدواراً صغيرة مثل زيز الحصايد في (هالة والملك) والشيخ كريم الطش في (يعيش يعيش) ابتعد عنهم بناء على نصيحة من ابن ضيعته كفرشيما الملحن الراحل فيلمون وهبي الذي أخبره أن الأخوين رحباني لن يعطيانه أبداً الأدوار التي يمنحانها لنصري شمس الدين بوصفه البطل الثاني للعرض بعد فيروز.
وطالت غيبة ملحم عن مسرح الأخوين رحباني حتى وقع الانفصال بين عاصي وفيروز سنة 1979 الذي كان أقسى ما تعرضت له التجربة الرحبانية بعد زواج استمر ربع قرن لأن خطورة هذا الانفصال لم تكن بمعناه الاجتماعي فحسب بل والفني أيضا، لأنه أدى إلى توقف التعاون نهائياً بين فيروز و الشقيقين عاصي ومنصور اللذين اضطرا أن يبحثا عن بديل لصاحبة الصوت الملائكي، ورغم أن هذه المهمة بدت شبه مستحيلة لكن اختيارهم وقع على المطربة الشقراء الصاعدة رونزا لخلافة عرش فيروز، ولكن النتائج جاءت مخيبة للجمهور الذي لم يرض بديلاً عن مطربته الأولى.
لقد وجد عاصي ومنصور أنهما بحاجة لمطرب شاب ذي صوت قوي يدعم حضور رونزا على المسرح من خلال ثنائية البطل والبطلة التي غابت كليا في أعمالهما السابقة لفيروز، فدعيا ملحم بركات للتعاون معهما مجدداً الذي لبى على الفور لأنه هذه المرة سيكون نجم العرض ولأنه يكنّ مودة كبيرة للشقيق الأكبر عاصي.
وكان عرض الربيع السابع الذي قدمه الأخوان رحباني سنة 1982 من دون فيروز إيذاناً لعودة ملحم الى مسرح هذه العائلة، من خلال نص كتبه عاصي ومنصور بدقة وحمل إسقاطات كثيرة بدءاً من العنوان الذي رمز لمرور الذكرى السابعة لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في ربيع 1975 وقصته التي تدور حول موسيقي اسمه منعم ينفصل عن زوجته المطربة، ورغم أنه يحقق النجاحات من دونها ولكنه يشعر بالغربة لبعده عنها ما يذكرنا الى حد بعيد بحكاية عاصي مع فيروز.
ولكن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن ملحم ومن دون أن يدري تحول لمرسال حب بين الزوجين الأكثر أهميةً في تاريخ الغناء العربي، إذ غنى في المسرحية أغنية (شباك حبيبي)..
هذه الأغنية التي لحنها الأخوان رحباني من مقام العجم تتحدث عن الفراق والعتاب بين المحبين بأسلوب شفاف، وفي مقطعها الثاني تجيء عبارة «عطر الليل» ( يطلق اللبنانيون هذا الاسم على نبتة الكولونيا)، ولم يأتِ اختيار الرحابنة لهذا الاسم عبثاً، فهو يعود لشخصية أدتها فيروز في مسرحية (أيام فخر الدين) التي قدمتها مع عاصي ومنصور، لتنضم هذه الأغنية إلى باقة من الأغنيات الرحبانية التي تلت انفصال فيروز وتشتكي من غيابها:
«شباك حبيبي
جلّاب الهوى
هوى حبيبي
يا أول هوى
يا شمس غيبي
أنا وحبيبي
***
قولي ولا تقولي
يا عطر الليل
أهل الطفولة
كبروا بها الليل
والدمع جايي ..جاي ورايي
جاي حبيبي يقرا مكاتيبي»..