هل تحوّل الطاقة الجديدة العالم إلى متعدد الأقطاب؟

تشرين- أمين الدريوسي:

تحول آخر إلى عالم متعدد الأقطاب يبدو أنه بدأ بالتبلور، ليس من الناحية السياسية فقط، ولكن أيضاً من الناحية الاقتصادية، حيث تلعب كلٌّ من الطاقة الجديدة والقديمة أدواراً رئيسة في هذا، وهنا لا يزال من السابق لأوانه أن نقول ما الذي سينشأ ليحل محل النظام أحادي القطب، حيث من المرجح أن تكون هناك سمة مميزة في هذا التحول على الصعيدين السياسي والاقتصادي العالمي خلال العقود القادمة، من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، وعلى هذا الأساس فإن موقف الدول اليوم من هذين التحولين لا يوفر أي ضمان لكيفية تجاوز هذه التحولات الجسيمة، لكنه على الأقل يسمح بتتبع أكثر استنارة للتقدم أو التراجع.
قد تبدو أوروبا اليوم في ورطة عميقة من الناحية السياسية، لأن سلطة الاتحاد الأوروبي باتت معلقة بخيط رفيع، بينما تتعثر بروكسل في محاولات طارئة للتعامل مع أزمات الطاقة، التي كان من السهل التنبؤ بها منذ لحظة إعلان روسيا عمليتها العسكرية لحماية دونباس.
أوروبا تمر بشكل فعلي بركود عميق وصعب، ويبقى أن نرى ما إذا كان يمكن أن يمر من دون وقوع كارثة سياسية، مع الاعتماد على مزيج من السياسات الوسطية للحفاظ على الطاقة، والتراكم السريع بمصادر الطاقة المتجددة، واستخدام الفحم والمنشآت النووية التي تم التخلص منها سابقاً، والغاز الطبيعي المسال الذي يتم شراؤه من آسيا بسعر مرتفع جداً.
من الواضح أن المشكلات الأمريكية ليست عميقة أو فورية مثل مشكلات أوروبا، لكنها موجودة، لكون هذا الخطر المتمثل في أن هذا البلد الذي يعاني من ضعف التسليح والعتاد الصناعي لن يجعله يتعلم بسهولة، وخاصة أنه يبدو مرتبطاً بالركود، فيما يبدو أن صناع السياسة في واشنطن – كما هي الحال في بروكسل- ليس لديهم فهم واضح لمكانتها في تحول الطاقة، إذ تحتل الولايات المتحدة مكانة جيدة عندما يتعلق الأمر بالوقود الأحفوري، وهنا لا تكمن المشكلة في حقيقة أن منتجي النفط والغاز لا يطاردون بشغف مشروعات طويلة الأجل بتكاليف عالية لا يمكن تعويضها قبل أن يتدهور النفط والغاز بسرعة، كما يدعي البعض.
يمكن أن تكون كلٌّ من أوروبا وأمريكا الشمالية أقوى في الداخل من خمس إلى عشر سنوات نتيجة الجهود التي تبدو الآن متخبطة، لكن من المحتمل أن تواجهها، بحلول ذلك الوقت، خلفية عالمية يكون فيها «الغرب» أقل هيمنة عالمياً مما كان عليه منذ الحقبة الاستعمارية المبكرة.
كذلك تؤكد المشكلات الاقتصادية الحالية للصين على النقطة التي مفادها أنها ليست قوة عالمية بديلة أحادية القطب في طور التكوين، حيث قلصت مبادرة «الحزام والطريق»، وركزت اهتمام الدولة بشكل أكبر على بناء الطلب الاقتصادي الداخلي وتعزيز الشركات المملوكة للدولة.
مع ذلك، تعد الصين من الدول القوية في مجال الطاقة، ولديها ريادة عالمية ضخمة في تصنيع الطاقة الشمسية واستخدامها، وهذا يساهم بشكل كبير في جعلها قوة إقليمية قوية، ولكن ليس زعيمة عالمية لتحل محل الولايات المتحدة لكون تصنيع الألواح الشمسية لن يجلب السلطة والثروة المتكافئة للصين، التي لن تتحكم في الشمس بعد كل شيء.
إن ريادة الصين في مجال الطاقة الجديدة، مع الوصول الملائم إلى الطاقة القديمة، تمنحها منصة قوية بشكل فريد للتنقل في تحول الطاقة، والغرب لديه سبب ليكون حذراً من قوة الصين، حتى لو لم تكن بكين طموحة عالمياً كما يتصورها البعض في بعض الأحيان.
أما الهند فتشير الدلائل إلى أن اعتمادها على الطاقة يستقر حول الفحم في الوقت الحالي والطاقة الشمسية قريباً، مع وجود مساحة صغيرة للغاز، فيما قد تعتمد النظرة المستقبلية لجنوب إفريقيا، في مجال الطاقة، على ما إذا كانت ستنجح في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة الموزعة بكثافة كبديل لنظام الطاقة الذي يعتمد على الفحم بشكل سيئ.
من الصعب النظر إلى توقعات البرازيل قبيل الانتخابات الرئاسية الحاسمة، لكن الدولة ستكون مهمة من حيث الطاقة مهما كانت النتيجة: بالنسبة لتدفقات النفط المتزايدة والتوسع المتجدد.
خلاصة القول، لا تكمن النقطة في أن هذه البلدان الخمسة في وضع فريد للهيمنة على جيرانها أو ممارسة سياسات القوة على المستوى العالمي بالعقود القادمة، بل على العكس من ذلك، إنها تبحر في المياه غير المستقرة للتحولات الجيوسياسية والطاقة، إضافة إلى نقاط القوة والضعف والعقليات التاريخية المتباينة بشدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار