تشرين الثقافي.. مبدعون مرّوا من هنا

علي الرّاعي
في الأحاديثِ بين المثقفين، تروى أكثر من حكاية لأسماءٍ أعطت ملمحاً للثقافة والإبداع السوريين.. ملمحٌ أصبحَ اليومَ أشبه بتيارٍ إبداعي كأن نقول المدرسة النزارية في الشعر، أو الأدونيسية، والماغوطية، وغير ذلك.. ومن هذه الأحاديث الطقس الكتابي الذي كان يُمارسه محمد الماغوط في صحيفة “تشرين” حين كان يوماً – مع مجموعة مُبدعين آخرين – أحد كتّاب أعمدتها ومقالاتها البارزين، كان الماغوط يكتب مقاله في الصحيفة بعد أن يغلق عليه باب مكتبه، ويستحضر الكثير من فناجين القهوة والتدخين، والمشي في أرض الغرفة ذهاباً وإياباً تماماً كحاملٍ قد أتاها مخاضٌ.. وعندما ينتهي ويرسل مقاله للنشر، يُروى أنه كان (محظوظاً) بسائقٍ للجريدة لا يعرفُ للسرعة حدوداً، وكان الماغوط طول الطريق لا ينبث بكلمة، وعندما يصل ختام الرحلة يسأل السائق: “أنت كم حادث تعمل بالتنكة يا بني؟!”..
نتذكر الماغوط اليوم ونوادره في صحيفة “تشرين”، التي بقي يكتب فيها حتى خواتيم معركته مع الحياة، ونتذكرُ معه كوكبةً طويلةً من أقطاب الثقافة السورية الذين كانت لهم وقفتهم سواء طالت تلك الوقفة أم قصرت في “تشرين”، غير أنهم ومن منبرها أعطوا للثقافة السورية غناها وتلويناتها الكثيرة..
فمع الماغوط في رحلته التشرينية؛ روائي سورية الكبير حنا مينا في رواياته العديدة، كذلك الراحل ممدوح عدوان في تنويعاته بأكثر من نوعٍ إبداعي جمعها في كتبٍ قاربت الثمانين كتاباً، وكأن عدوان عاش ليكتب وحسب، ومع ذكر الراحل ممدوح عدوان، لابدّ من ذكر أهم قاصين في كتابة القصة الساخرة في سورية، وأقصد حسن م. يوسف، ووليد معماري، وفيما بعد بقليل الكاتب الساخر واللاذع نبيل صالح، والثلاثة الذين شكّلوا من وجع الناس وهمومهم المُعادل الصحافي والقصصي الذي هو بدوره شكّل مدرسة للتهكم والكاريكاتير في الكتابة الساخرة..
إذا ما تأملنا المشهد الثقافي اليوم، وقرأنا الأسماء الهامة فيه، والتي لها تجربتها الواسعة في هذا المشهد، فإن ثمة رابطاً سنجده عند أغلب هؤلاء المبدعين، وهو رابط ما، لا يخلو من حميمية مع صحيفة تشرين، “تشرين” التي صدر العدد الأول منها بتاريخ (2 تشرين الأول سنة 1975) تيمناً بنصر سورية الذي كان لا يزال طازجاً حينها نصر (6 تشرين) على عدو لم يُعرف العالم مدىً لحقده، وهو الكيان الصهيوني..
مناسبة زاوية (على ما يبدو) اليوم؛ هي الانعطافة الجديدة لـ”تشرين” في انطلاقتها الإلكترونية الجديدة، “تشرين” المستمرة بتقديم منبرها إلى اليوم لكتّابٍ ومبدعين لا يملّون تقديم نتاجهم الإبداعي والإنساني والصحافي المختلف، ولن يكون آخرهم الزميل خليل صويلح الذي تقاعد أواخر العام الماضي، إذ تضم (تشرين الثقافي) اليوم شعراء ومترجمين ونقاداً لهم حيزهم اللائق في المشهد الثقافي السوري..
هامش:
اغمضي
بأصابعكِ
عيونَ هذا العالم،
وكنايٍّ قصيٍّ؛ اعيدي قلبي إلى المراعي،
وعلى سفح ليلٍ شهيّ،
بطعم النبيذ أو برائحة البخور؛
تعالي
نرسمُ للأغاني طعمَها القديم
بلون الميجنا والعتابا..
فعلى متنِ هذه الحياة؛
لدينا الكثير لنفعلهُ معاً
ريثما
يلوّحُ لنا صباحٌ..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار