“نورد ستريم 2” في منأى عن العقوبات الأمريكية على موسكو؟
تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بوقت سابق من الشهر الحالي بإغلاق خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 2” إذا أطلقت موسكو عملية عسكرية في دونباس، ولكن كيف للرئيس الأمريكي إغلاق خط أنابيبٍ لما يتم وضعه في الخدمة بعد! أضف إلى ذلك أن المستشار الألماني أولاف شولتس علق المصادقة على هذا المشروع فحسب، ولم يغلقه.
وفي الواقع، تستورد ألمانيا أكثر من 50% من حاجياتها من الغاز الطبيعي من روسيا وهذا لن يتغير قريباً، لأنه يتم من خلال سبعة خطوط أنابيب تتدفق عبر أوكرانيا إلى جنوب شرق أوروبا ومن هناك إلى ألمانيا، إضافة إلى خطوط أنابيب غاز أخرى تتدفق من روسيا عبر تركيا إلى أوروبا، ولا يوجد حديث من الولايات المتحدة أو أوروبا حول إغلاق خطوط الأنابيب هذه، لذلك ستستمر روسيا في كسب عملات أجنبية من مبيعات الغاز إلى أوروبا، لا بل قد تكسب المزيد من عائدات الغاز بالنظر لارتفاع أسعاره، وهكذا، فإن العقوبات الأمريكية على موسكو ليست ذات صلة بـ«نورد ستريم 2» حتى الآن.
وفي حين كثر الحديث عن تزويد الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى (قطر وأذربيجان وغيرها) لألمانيا وأوروبا بالغاز الطبيعي بدلاً من «نورد ستريم 2″، فإنه لا يمكن لأوروبا التعويل على هذا أيضاً على المدى القصير، حيث تفتقر ألمانيا إلى مرافق الموانئ اللازمة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، وسيستغرق بناء هذه المرافق خمس سنوات، إضافة إلى ذلك، ستستغرق قطر وغيرها من الدول المصّدرة المعنية بهذا الأمر عامين لتوسيع مرافق الإنتاج لديها فحسب من أجل توليد الغاز الإضافي لبيعه إلى ألمانيا.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن جميع التدفقات الحالية للغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا تأتي من خطوط أنابيب الغاز السبعة الحالية التي تتدفق عبر أوكرانيا إلى أوروبا الشرقية ومن هناك إلى ألمانيا والغرب، إلى جانب العديد من خطوط الأنابيب الأخرى التي تدفق عبر تركيا إلى أوروبا، ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت العقوبات الأمريكية تستهدف هذه الخطوط أيضاً، علماً أن استهدافاً كهذا سيسبب أضراراً بالغة على أوروبا بالدرجة الأولى، إذ يشار إلى إنها تحصل على 40٪ من غازها من خطوط الأنابيب هذه في الوقت الحالي، وقطع هذه الإمدادات يعني انهياراً محتملاً للصناعات في الاتحاد الأوروبي.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة تحاول منذ سنوات إقناع أوروبا بشراء الغاز الطبيعي الأمريكي بدلاً من الغاز الروسي، على الرغم من أن الغاز الأمريكي أكثر تكلفة بمرات عديدة، ويعزى ذلك إلى تكاليف النقل والحاجة إلى تحويله إلى شكل سائل (LNG) ومن ثم إعادته مرة أخرى إلى شكل غاز عند تفريغه في الموانئ الأوروبية.
عندما أدخلت الولايات المتحدة تقنية التكسير لإنتاج الغاز الصخري على نطاق واسع في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، زاد إنتاجها من الغاز الطبيعي والنفط بشكل كبير، وتصدير هذا الإنتاج يعمل على منع حدوث تخمة في الإمدادات في الداخل الأمريكي التي من شأنها أن تخفض الأسعار في الولايات المتحدة، لذا فإن دفع أوروبا إلى شراء الغاز الأمريكي يزيد من أرباح شركات الطاقة الأمريكية، فهو يحقق المزيد من عائدات المبيعات من أوروبا ويحافظ على ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة في الوقت ذاته.
وحتى الآن، كان من الصعب إقناع الألمان بشراء الغاز الأمريكي الأغلى سعراً من الروسي (يقدر البعض بأنه أغلى بخمسة أضعاف)، والحرب في أوكرانيا هي الحل لهذه المعضلة الأمريكية، فقد تدفع أوروبا الآن إلى التحول إلى الغاز الأمريكي.
عن موقع: “غلوبال ريسيرش”