مصابن الغار العريقة تقاوم الإغلاق.. وأهل «الكار» يستغيثون لـ«تشرين»: توفير زيت «المطراف» بأسعار مقبولة
عند التجول في أقدم مصبنة لصناعة صابون الغار في حلب “الجبيلي” المرممة حديثاً بعمرها الذي يقارب 800 عام، ينتابك شعور الفخر بمقدرة أهل حلب على الحفاظ على هذه الصناعة العريقة رغم كل الصعوبات، لكن في المقابل “تحز” في النفس رؤية مصابن أخرى لا تقلّ أهمية وعمراً وقد أغلقت أبوابها حتى إشعار آخر بسبب ارتفاع تكاليف المواد الأولية وخاصة زيت «المطراف».
مصلحة “عِيَل”
حرفة صابون الغار في حلب تعد كما يعرف “مصلحة عوائل” وهو ما يؤكده زكريا طرفي رئيس لجنة الصناعات الكيميائية في غرفة صناعة حلب، الذي بيّن أن هذه الحرفة العريقة استطاعت الدخول إلى أسواق عشرات الدول خلال العقود الأخيرة، وأثبتت وجودها كمنتج محلي يحمل الهوية السورية الحلبية، فمدينة حلب ومحيطها كانت تضم قبل الأزمة حوالي 200 معمل وورشة لصناعة الصابون، إذ وصل الإنتاج إلى 30 ألف طن منها 4 آلاف طن للاستهلاك المحلي، بينما كان يصدر 26 ألف طن، لكن هذا الإنتاج انخفض خلال سنوات الحرب إلى ما دون الألف طن، لافتاً إلى أن معظم المعامل خرجت من الخدمة، واختار معظم المصنعين تصنيع كميات قليلة يدوياً في منازلهم للحفاظ على مهنتهم، بينما تشارك عدد من حرفيي الصابون في مساحة واحدة في أحد المصانع لتصنيع منتجاتهم ريثما يتم إصلاح منشآتهم.
وبيّن طرفي أنه رغم ما أصاب هذه الحرفة من تدمير وسرقة ونهب منشآتها وآلاتها على أيدي الإرهابيين، لكنها استعادت جزءاً مهماً من طاقاتها، ليصل الإنتاج اليوم إلى قرابة 10 آلاف طن، إلا أنها ما زالت تعاني من بعض العقبات كعدم توفر المواد الأولية.
غلاء المواد الأولية
“تشرين” جالت على عدد من معامل صناعة صابون الغار في حلب، حيث لوحظ أن أغلبها متوقف عن العمل، بينما لا تزال 4 مصابن تقاوم ضغوط الإنتاج، مكتفية بتصنيع كميات قليلة للحفاظ على اسمها، وقد أجمع أغلب المنتجين على أن سبب التوقف يعود إلى ارتفاع المواد الأولية وتحديداً زيت “المطراف” مع إن هذه الحرفة لا تحظى بأي دعم لجهة الإنتاج والتصدير.
وعن هذا يتحدث هشام الجبيلي – صاحب أقدم مصبنة في حلب ورئيس لجنة صناعة صابون الغار في غرفة صناعة حلب، وهو من ورثَ هذه الحرفة أباً عن جد، وما زال يعتمد في تصنيعها على الأدوات التقليدية، كما وثقت “تشرين” عند التجول في هذه المصبنة العريقة والتعرف على كل مراحل الإنتاج، حيث أكد أن أكبر عقبة تعترض حرفة صابون الغار حالياً هي موسم الزيتون القليل، وارتفاع أسعار المواد الأولية وخاصة زيت المطراف، ومعاملته كزيت الزيتون من ناحية السعر، وهو ليس كذلك طبعاً، فالمصابن في حلب كانت تشتري زيت المطراف من معامل “بيرين” في عفرين الـبالغ عددها 28 معملاً، وكانت تكلفته معقولة حتى فترة قريبة، لكن فجأة رفعت أسعاره إلى حدود كبيرة، لذا أجبرت المصابن على شراء زيت المطراف من معامل حسياء، التي لا تكفي الحاجة، مع تحكمها بالتسعيرة ، مبيناً أن حل هذه الإشكالية رهن بتوفر زيت المطراف من معامل “بيرين” بأسعار معقولة تمكّن المصنعين من معاودة الإنتاج والمنافسة.
“جوع” لـصابون الغار
وأشار الجبيلي إلى نقطة في غاية الخطورة تتمثل بأن عدم توريد الزيت من “بيرين” دفع بعض الحرفيين إلى إنشاء مصابن في تركيا تعتمد على هذا الزيت، وتنافس صابون الغار الحلبي.
ولفت إلى أن العائلات المعروفة أوصلت صابون الغار إلى العالمية، ومعظم المصابن العريقة لم تتوقف عن الإنتاج طوال سنوات الحرب، لكن اليوم للأسف توقف بعضها حالياً بسبب نقص المادة الأولية اللازمة لصناعة الصابون، بالتالي فإن عودة هذه العائلات إلى العمل تتطلب تأمين زيت المطراف بأسعار معقولة وخاصة أن الأسواق العالمية “جوعى” لصابون الغار الحلبي لجودته وتركيبته المعتمدة على المواد الطبيعية فقط.
في المقابل عدّ الجبيلي أن صناعة صابون الغار أشبه بـ”البنت اليتيمة” لكونها لا تحظى بأي دعم تفضيلي كغيرها من الصناعات والحرف، ما يجعلها صناعة خاسرة حالياً لأن إنتاجها موسمي ولا توجد دورة إنتاج مستمرة كالنسيج مثلاً، لذا يجب تقديم شيء تفضيلي عند التصدير أو تقديم قروض بفوائد مخفضة وخاصة أن القروض الأخيرة لم تشملها.
إغلاق مؤقت
إغلاق بعض المصابن المعروفة أكده حسان زنابيلي- صاحب إحدى أقدم المصابن في حلب أيضاً، حيث أكد أنه أغلق مصبنته مؤقتاً بسبب ارتفاع سعر المادة الأولية كزيت المطراف، مشيراً إلى وجود مفاوضات حالياً بين أصحاب المعامل في عفرين والمصابن لاستمرار توريد زيت المطراف بأسعار معقولة تضمن عودة المصابن إلى الإنتاج، مشيراً إلى أنه كان يصدر إلى العديد من دول العالم لكن حالياً لا يوجد تصدير، والانتاج المحلي قليل، مشدداً على أن الإنتاج الحالي هدفه المحافظة على الاسم وعدم خسارة الزبائن في الخارج إلى حين حلّ إشكالية توفر المواد الأولية.
تخوف أهل الكار
رئيس لجنة الصناعات الكيميائية زكريا طرفي، طالب بتسهيل نقل زيت الغار، مع إيجاد حل لإيصال زيت المطراف من عفرين إلى حلب بشكل انسيابي وتكاليف بسيطة، وذلك لتخفيف الأعباء وتخفيض الأسعار والاستعاضة عن الاستيراد الخارجي ورفع القدرة التنافسية والتصديرية.
ولفت إلى تخوف الصناعيين المتخصصين بصناعة الغار من انتقال هذه الصناعة إلى تركيا لتوفر المنافسة ومرونة الاستيراد والتصدير وخاصة عند معرفة أن بعض المنتجين اليوم بفعل الحرب غادروا وأسسوا في دول الجوار وأصبحوا يصدرون منها للعراق من تركيا “غازي عنتاب” تحديداً، ما دفعهم لمطالبة الجهات المعنية بالسماح بتوريد زيت المطراف.
بحاجة للدعم!
وأشار طرفي إلى حاجة صناعة صابون الغار للدعم الحكومي وتخفيض الرسوم الجمركية والمساعدة بتأمين حوامل الطاقة والاستثناء من التقنين لكون فترة الطبخ وتحضير الصابون يتمّان خلال أربعة أشهر فقط في السنة “كانون الأول والثاني وشباط وآذار، مع الاهتمام بالتعبئة والتغليف بغية تحقيق قيمة مضافة، وهذا يحتاج تكاتف الجهود من المنتجين.
وبيّن أن غرفة صناعة حلب قدمت ما يلزم لدعم هذه الحرفة، حيث عملت على تطوير وتعديل مواصفة صابون الغار رقم 377 بما يتلاءم مع الوضع الحالي لصناعة صابون الغار، ووضعت مواصفة سابقاً بالتعاون مع هيئة المواصفات والمقاييس السورية، وعملت مع الجهات المعنية على تذليل معوقات التصدير واستعادة الأسواق الخارجية وخاصة العراق الذي يعدّ السوق الرئيس بينما السوق الخليجي لم يعد كما كان.
تصوير: صهيب عمراية