مفاتيح الاستثناءات
يكاد ضغط الطلب على أي من خدمات المواطنين الحيوية لا يتراجع نتيجة شحها وضوابط إدارة المتاح منها.. وهو ما يراكم أدوار طويلة حتى الحصول عليها، كما لا يخلو تنفيذ أعمال كثيرة من الروتين والاشتراطات بشكل قد يعقد إنجازها أو يعطله، وهذا ما يدفع المنتفعين ضعاف النفوس من داخل الجهات العامة أو خارجها للبحث عن طرق للالتفاف عليها واختراقها، ولا شك أنها لا تعجزهم في ظل ظروفنا التي أصبح الكسب المشبوه من وراء معظم الخدمات وحلحلة بعض المسائل العالقة شبه رائج بمسوغ ردم بعض الهوة بين الدخول ومتطلبات الحياة الملتهبة.
إن تمرير المعاملات العادية قد لا يحتاج لوسيط ويمكن بالتعامل المباشر مع بعض الموظفين تنفيذها خارج إطار الروتين.. وحتى بالإمكان ترك المعاملة برمتها للموظف فيقوم بتعقيبها وإنجازها من دون تكبيد المراجع أي عناء، وذلك مقابل ما يسمى “الإكرامية”.
لكن هناك أمور خارجة عن إرادة الموظفين أو حتى المعقبين المرخصين، وتحتاج من جهات أعلى إلى استثناءات لتمرير مصالح معينة أو تجاوز دور بعض الخدمات أو التهرب من اشتراطات تراخيص وتعاقدات وغيرها، وهنا يتم اللجوء لوسطاء من موظفين أو سواهم ممن يطلق عليهم مصطلح “المفاتيح”.
هذا المصطلح ليس بجديد بل شائع منذ زمن طويل في محيطنا، لكنه استفحل مؤخراً لاستعصاء الكثير من الخدمات والمصالح بعد سنوات الحرب على بلدنا، وعلى ما يبدو أن بعض هذه المفاتيح محدود الفعالية لا يصلح إلا لأقفال جهة واحدة، فيما هناك أخرى لها مفعول سحري وكأن خراطتها تمت بشكل لا يستعصي معها فتح أقفال الكثير من الجهات مهما كانت محكمة في وجه الاستثناءات، وبالطبع فإن تذليل الاشتراطات وحلحلة بعض المسائل العالقة أو اختراق الدور بالاستثناءات لن يمرّ هنا تحت عنوان فعل الخير، بل بمقابل مادي وبأرقام كبيرة.
لا شك أن اختراق الدور يعني تمرير مصالح البعض بالمحسوبيات والخلفيات المشبوهة على حساب تأخير وتعطيل مصالح البسطاء الذين لا حيلة لهم إلا الصبر على بلوى ما يحدث، كما أن تجاوز بعض الاشتراطات والأنظمة يعني مخالفات تضر بالصالح العام قبل الخاص.
ويبدو هنا أنه لا مفرّ من تحصين الموظف بلقاح تحسين الدخل ضد جائحة “الإكرامية” ليستر معيشة أسرته، كما لا مناص من تفعيل مطرقة المحاسبة لكسر مفاتيح الاستثناءات من داخل وخارج الجهات العامة لجعل الجميع تحت سقف الأنظمة النافذة.. على أن يتوازى ذلك مع السعي لتوفير الخدمات وتبسيط الإجراءات لتحييد الحاجة ما أمكن للاستثناءات.