على وقع الهجمات المتزايدة لحركة طالبان في أفغانستان والتحولات المتسارعة في البلاد لم يجد الرئيس الأمريكي جو بايدن حرجاً من دعوة الشعب الأفغاني إلى «التحلي بعزيمة القتال» ضد المسلحين متجاهلاً حقيقة أن الاحتلال الأمريكي الذي استمر عقدين من الزمن تحت شعار محاربة الإرهاب استنزف أفغانستان بشكل كامل وأدخلها في دوامة الفوضى والعنف.
بايدن الذي قرر سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بزعم وضع نهاية لأطول تدخل عسكري تقوم به الولايات المتحدة في تاريخها أعلن أمام الصحفيين اليوم وفق ما تداولته وسائل الإعلام أنه «غير نادم» على قراره في الانسحاب على الرغم من أن هذه الخطوة وصفت من قبل كثيرين بمن فيهم مسؤولون أمريكيون بأنها «متسرعة» وأثارت تساؤلات حول الهدف الرئيسي وراءها وما إذا كانت واشنطن تهدف إلى إعادة توجيه قواتها العسكرية نحو جبهة جديدة افتعلتها بتصعيدها العدائي المستمر مع روسيا والصين.
الرئيس الأمريكي وفي محاولة منه للدفاع عن قرار الانسحاب اعتبر أن على الأفغانيين أن يقاتلوا من أجل أنفسهم ومن أجل أمتهم التي أنهكها الاحتلال الأمريكي على مدار عشرين عاماً وجعل حركة طالبان ترسخ موطئ قدمها في البلاد كما فسح المجال أمام ظهور تنظيمات إرهابية مثل «داعش» وارتكابها مزيداً من الجرائم بحق المدنيين الأفغان.
تنصل بايدن من مسؤولية بلاده عما يجري في أفغانستان جاء في ظل تحولات متسارعة ووسط هجمات وتقدم لافت لحركة طالبان بمحاور عدة في البلاد التي تشهد مواجهات دامية بين القوات الحكومية ومسلحي الحركة الذين أعلنوا السيطرة على مناطق واسعة تشمل أكثر من 150 منطقة إضافة إلى معابر حدودية عدة.
طالبان أعلنت في وقت سابق اليوم الاستيلاء على مدينة فيض آباد مركز إقليم بدخشان في شمال البلاد لتكون بذلك تاسع عاصمة إقليم تسيطر عليها في أقل من أسبوع في وقت كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن هناك مخاوف لدى إدارة بايدن من سقوط كابول في أيدي المسلحين في غضون شهر إلى ثلاثة أشهر وأن البيت الأبيض يستعد لمثل هذا الحدث في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعا قبل أسابيع قليلة فقط.
ميراث التدخل العسكري الفاشل في أفغانستان تبدى بأوضح أشكاله في الأشهر الأخيرة مع حالة التفكك والفوضى التي تعم البلاد كنتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي واتجاهها نحو المجهول في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة بكل بساطة البحث عن قواعد عسكرية جديدة في دول مجاورة لبسط هيمنتها مخلفة وراءها كارثة حقيقية تتجاوز حدود هذا البلد.
خبراء ومحللون كثيرون رأوا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مجرد استعراض سياسي أو محاولة جديدة من قبل واشنطن لنقل هيمنتها العسكرية إلى مواقع أخرى في آسيا دون وجود نية حقيقية لديها بإنهاء الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد عشرات آلاف المدنيين الأفغان فيما أثار آخرون التساؤلات حول الغرض الحقيقي من هذا الانسحاب الذي لن يشمل المتعاقدين مع البنتاغون أو عملاء الاستخبارات الأمريكية وغيرهم من المرتزقة العاملين لصالح واشنطن.
«سانا»