في الوقت الضائع

 

لم تخرج قمّة حلف شمال الأطلسي “ناتو” عن المألوف، بل جاءت عادية ولم تخرج عن سياق المواقف المعلنة للأعضاء، من حيث اختراع أعضاء الحلف أخطاراً وتهديدات، ونسبها إلى دول تختلف معها إيديولوجياً، وتقف على النقيض منها سياسياً، فكانت السِّهام موجّهة تجاه الصين.

رغم الانقسامات بين ضفتي الأطلسي في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حاول خلفه جو بايدن “توحيدهما” تجاه بكين، وتكرار الكليشيهات نفسها المعهودة من دون دلائل أو براهين على “الخطر الصيني” المزعوم.

“خطورة” الصين بالنسبة لـ”ناتو”، ولاسيما الولايات المتحدة، مردّها بنظر الكثير من المتابعين تمكّن بكين من كسر الهيمنة والتفرّد الأمريكيين، فالمتغيّرات الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية فرضت وقائع وتحوّلات أثرت في “الزعامة” الأمريكية للعالم -إن صح التعبير- وأدت إلى تغيّر في مركز القوة، ليس هذا فحسب، بل إن “خطورة” الصين بالنسبة لأولئك مردّها أيضاً، إلى أنها تتطلع مع روسيا وغيرها من القوى الدولية إلى عالم متوازن يضمّ الجميع، ويعترف بالجميع، في حين تريد أمريكا أن تبقى متفرّدة على قمّة الهرم الدولي.

المتغيّرات حدثت، والقوى الدولية مثل روسيا والصين حجزت مكاناً مهماً على الساحة الدولية، وأمريكا والغرب يدركان ذلك، والأكثر من ذلك أنّ أمريكا تلعب في الوقت بدل الضائع لتحويل الأنظار -إن استطاعت- عن تلك المتغيّرات التي بدّلت مكانتها على الساحة الدولية في ظل وجود لاعبين جدد، فالوقت الذي تلعب فيه أمريكا هو لإعادة تعويم نفسها.

الواضح أن دول “ناتو” ولاسيما الولايات المتحدة، لا تزال حبيسة عقدة الماضي التي عفا عليها الزمن من حيث “التفوق” والتفرّد، ونسيت أو تتناسى أن الزمن الذي تستطيع فيه عدة دول تقرير مصير العالم قد ولّى، كما قالت بكين، إضافة إلى ذلك، إن الأحلاف العسكرية على شاكلة “ناتو” لم يعد هناك ما يسوّغ وجودها كما في السابق.

بينما تبقى أمريكا رهينة الحروب والصراعات والعُقد الاستعمارية، تسعى الصين ومعها روسيا والقوى الأخرى إلى دعم الأمن والسلام والاستقرار في شتى بقاع العالم، والتعاون في مختلف المجالات، وهذا من عوامل نجاح وصعود تلك القوى ولاسيما أنها غير مرتبطة بماضٍ استعماري.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار