عمار الشوا في «رأيت».. عندما طارت السمكة وحلّقت!
تنفتح الرؤية كما يُترجمها عمار الشوا على ما هو أبعد من الموجود أو المُدرك، ولهذا ربما كان عنوان معرضه الأخير في صالة عشتار «رأيت» توليفةً يطغى عليها الخاص المُتخيّل مقارنة بما هو قائم بطبيعته، لتغدو الرؤية سواء كانت إبصاراً أو بصيرة، شخصيةً بالمطلق. هذا التجاوز إن صح التعبير قدّمه الشوا خلطاً بين قدرات الكائنات، فربما فكّر السمك يوماً بالطيران، لعله تخيّلَ أجنحةً ملونة في سماء زرقاء، من يدري؟ ربما حلم الطير بالسباحة، أمواجٌ عالية وأعماقٌ بلا نهاية!.
يُؤمن الشوا بمقولةٍ للمتصوف الكبير محي الدين بن عربي ترفض تصنيف الخلق بين رفيع ووضيع، وعلى هذا فالكل شريكٌ في الصورة التي يبدو عليها الكون، ولكل عنصرٍ مهما بدا صغيراً أو ضعيفاً دوره الذي لا يمكن أن يقوم به غيره، يلتقط الشوا هذه التفاصيل ويشتغل عليها مُستغلِاً كل حيّز ليشارك بإخراج اللوحة بشكلها النهائي تماماً كما في الطبيعة، مُتكئاً على ما تتيحه العناصر نفسها من آفاق للبشر، فالطير استطاع أن يعلّمنا النظر إلى أعلى إلى أن غالبناه، ثم نافسنا السمك في أعمق نقطة ممكنة، وحين حضر نظراؤنا في الكون مع تشكيلات لوجوهٍ بشرية، أصرّ الشوا على تغييب ملامحها بالكامل، كأنّها معنية فقط بالإنصات لهم.
في أعماله عن الشجر يختبر التشكيلي قدرتنا على الانتباه وملاحظة الفرق بين دقيقة وأخرى، فلا شيء يبقى على حاله، كل ما في الطبيعة يختلف مع الضوء المنسكب عليه، الشجرة تحت المطر في يوم شتوي، ليست نفسها بعد دقائق، الرطوبة لا تشبه البلل، رصدٌ ينسحب أيضاً على تتبع الكائنات في نموها ومشاعرها وتصرفاتها، في كل ما أهملناه أو اعتدناه أو لم نلحظه أصلاً تحت الضوء.
في الحديث عن تطاول قدرة الكائنات، يقدّم الشوا عدة تشكيلات ، إشارة ربما إلى معارك يوميّة نخوضها لإثبات النفس أو النجاة أو لأنه لا خيار آخر أمامنا، نحن محدودو القدرات.
المعرض تمهيدٌ لنقلة أكبر في مشوار عمار الشوا، وإن كان حصيلةً في الوقت ذاته لحوالي ثلاثة عشر معرضاً فردياً والعديد من المشاركات الجماعية، حرص خلالها على البحث في فلك اللون الواحد مع الغنى في سطح اللوحة بعيداً عن أي صخب أو استفزاز يتعمده فنانون عادة لإثارة الانتباه أو تعزيز المقولة، ولهذا يصح أن نصف أعمال الشوا بالرزينة رغم ما فيها من جُنوحٍ جذّاب ومُحبب.
تصوير- صالح علوان