“الكندوش” إيقاع بطيء وترهل في بنية النص

العودة إلى عوالم الشام القديمة وتفاصيل حاراتها وحكايا ناس ذاك الزمان؛ بات هاجس معظم المشتغلين في الحقل الدرامي، ويبدو أن منتجي هذا النوع الفني قد أدركوا أن نجاح وصفة (الملا – باب الحارة)، أتت بعد النجاح الكاسح الذي حققه مسلسل «باب الحارة» في أجزائه الأولى، ومن ثمّ باتت شرطاً فنياً لأي عمل بيئي شامي مستند إلى وجود حارة كشاهد على (الحدودتة) المطروحة، ومحور الأحداث فيها يرتكز على حكايات مثقلة بالحكمة والموعظة والمواقف النبيلة…
هذه المضامين دفعت بشركة (البرغلي للإنتاج) إلى خوض مغامرة فنية من العيار الثقيل عبر إنتاج ضخم جمع كماً كبيراً من الممثلين ونجوم الصف الأول في الدراما السورية عبر مسلسل “الكندوش”، وترافق قبل عرضه الرمضاني بدعايات كثيرة، جعلت الكثير من المشاهدين على عتبة انتظار هذه التحفة الفنية كما وصفها القائمون عليه، إلا أن صدمة المتابعة كانت كبيرة فرغم الدعاية الضخمة وتجاوز مبيعاته أكثر من عشر محطات عربية وما حُكي عنه قبل عرضه على أنّه أحد أفضل مسلسلات البيئة الشامية؛ إلا أن “الكندوش” جاء مخيباً للآمال من حيث بنية النص والحبكة الدرامية وبطء الحدث، وجلّ ما وعد به مؤلف المسلسل حسام تحسين بيك؛ بأن غاية العمل إظهار الصورة الحقيقية للمجتمع الدمشقي، وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع التي تصدعت في السنوات الأخيرة نتيجة الحرب على سورية، إلا أنه فعل العكس، فقد رسخ لفكرة أن دمشق لم تخرج من عباءة الملاءة الشامية بثرثراتها النسائية وجو القبضايات خاصة بعد البداية المخيبة له، فالحدث الدرامي جاء خالياً من أي منطقية فنية ما جعل المتلقي يتململ من حالة الاستغباء الواضح له منذ حلقاته الأولى وكيف تم توجيه الأنظار من السارق الذي حاول سرقة أحد أعيان الحارة إلى تساؤل الجميع عن غطاء رأس حريم المنزل وهل بانت “القرعة” أم لا، وتناسوا عبر حلقاته الأولى عن مكان هذا الحرامي، إضافة إلى أن تشابه مفردات البيئة بات مألوفاً وكأن جمالية دمشق اختصرت بقهوة وحمام عربي وعدة بقالين.. أي بالمفهوم الذي رسخه (الملا)، وارتكز فيها على حكاية فنتازية قوامها استحضار المكان الدمشقي وشخوصه وحياكة خيوط لروايات مفترضة لا تستند فيها لزمن معين وتشابه في فصولها حكايا الجدات والحوادث التي كانت موجودة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وتساءل البعض لماذا لا يتم تناول حقبة موثقة عن الاحتلال التركي الذي استعمرنا أكثر من (400) سنة والتي كان لها الأثر السلبي في التراجع الحضاري والعودة إلى عصور الجهل والتخلف، وكأن لم يمر على دمشق غير الاستعمار الفرنسي، حتى كاد (أخوة التراب) أن يكون الوحيد الذي طرح قضايا المحنة العثمانية وشرورها .
نقطة أخرى فاجأنا بها كاتب العمل، وهي التضاد الذي عزف به على وتر العلاقة التي طالبت بها ياسمين “سلاف فواخرجي” من عزمي بيك “أيمن زيدان” وافتتانه بها بعد الإغواء المبتذل المطروح في هكذا نوع من الأعمال، وبين حالة الضعف النفسي المختبئ خلف الهيبة والوقار المصطنعين، فبمجرد أن كشفت عن وجهها سقط قناع وقاره في غياهب الإغواء والعشق غير المبرر، في الوقت الذي تنتاب عزمي بيك مختلف حالات الرعب من أن يكون الحرامي قد نظر إلى حريمه وهنّ كاشفات الرؤوس..
صحيح أن عودة أبطال سلسلة النجوم الكوميدية أضفت بريقاً لطيفاً للعمل، فحضور سامية الجزائري بخفة دمها المعهودة مع الفنانة شكران مرتجى أعاد إلى أذهاننا جمالية الأعمال السورية وبهجتها وقدرتها على رسم الضحكة على الشفاه، بعكس الفنان أيمن رضا الذي لم يوفق بالكاركتر الذي قدمه، فبدا أميل إلى التهريج والارتجال في بعض المشاهد، وسبقه في ذلك حسام تحسين بيك الذي حاول نثر القليل من الفكاهة الممزوجة بألفاظ غير مقنعة على جمود (الريتم) البطيء للمشاهد الدرامية.
ولكن لا ننكر أن نجاحاً سجله المخرج سمير حسين بكشفه عن مجموعة من المواهب الشابة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بإشراكهم في عمل يضم نخبة من نجوم الدراما السورية.
الجدير بالذكر أن العمل من بطولة: أيمن زيدان، سلاف فواخرجي، أيمن رضا المشرف العام، شكران مرتجى، كندا حنا، حسام تحسين بك، رضوان عقيلي، تيسير إدريس، جمال العلي، نزار أبو حجر، عبد الفتاح مزين، وضاح حلوم، ونخبة من الفنانين الشباب..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار