لا تموت بالتقادم

كما كان متوقعاً, اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن رسمياً بأن مذابح الأرمن على يد الأتراك العثمانيين كانت بمثابة إبادة جماعية، موجهاً بذلك ضربة إضافية للعلاقات المتدهورة أساساً مع النظام التركي بزعامة رجب أردوغان الذي تحاصره جرائمه وجرائم أسلافه التي تبين أنها لا تموت بالتقادم بل تستقطب اعترافات جديدة تقض مضجع السلطان العثماني وتقوّض استقراره المزعوم.

رغم أن اعتراف بايدن رمزي ولن يترتب عليه أي تأثير قانوني, إلا أنه يشير لتغيير في التصريحات التي حرص البيت الأبيض خلال عقود على صياغتها بحذر شديد لتلافي توتر العلاقات مع النظام التركي، إذ ظل الرؤساء الأميركيون المتعاقبون يتجنبون وصف ما حدث للأرمن بالإبادة الجماعية، وكان موقف الولايات المتحدة الرسمي هو وصف ما حدث بـ”أعمال فظيعة” للحفاظ على العلاقات مع تركيا.

أمام رمزية اعتراف بايدن بوصفه تكريماً للضحايا, يتطلع الأرمن لأكثر من مصطلح الإبادة الجماعية, لأن تتم ترجمة قرار الاعتراف إلى سلوكيات عملية وأفعال في سياسة واشنطن تجاه تركيا, خاصة بعد تأكيد بايدن خلال اتصاله مع أردوغان الجمعة الماضي, حرصه على علاقة ثنائية بناءة مع مجالات أوسع للتعاون والإدارة الفعالة للخلافات بين البلدين.

لا شك أن أي اعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن يثير جنون النظام التركي  الذي لن يقبل بالاعتراف بها لأنها ستفتح الباب أمام تقديم المزيد من التعويضات، والملاحقات القضائية الأرمنية لتركيا, ناهيك عن إعادة الممتلكات الأرمنية فالمسألة تتجاوز التعويض المالي إلى المطالبة بالأراضي التي تعرف بأرمينيا الغربية, وهذا أمر لا يمكن أن يقبل به النظام التركي.

رغم مرور 106  أعوام على جرائم الإبادة الجماعية, إلا أن القضية الأرمينية حيّة وتتفاعل, ودماء مليون ونصف مليون أرمني لا تزال حارة ومشاهد عمليات التهجير والتعذيب والقتل الجماعي التي «تفنّن» العثمانيون بارتكابها عن سابق إصرار وتصميم, حاضرة في أذهان من نجا من مجازر الإبادة وروى تفاصيل وحشية يندى لها جبين الإنسانية, لتكون وصمة عار تلاحق تركيا طالما استمرت بإنكارها للإبادة الجماعية, مدفوعة بنزعتها الاستعمارية على حساب دماء الشعوب ووجودها.

في نظرة عامة على السياسات التركية القائمة على العدوان والإرهاب يتبين للمتتبع أن التاريخ الأسود للعثمانيين يعيد إنتاج الجرائم الوحشية ذاتها, وأنه لا يوجد اختلاف بين جرائم العثمانيين وجرائم أردوغان بوصفها جرائم بشعة لا تموت بالتقادم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار