بين فترة وأخرى نقرأ في وسائل الإعلام, ونسمع من الرأي العام عن توقيف الجهات المختصة فاسداً كبيراً جمع مليارات الليرات بطريقة غير مشروعة بما فيها النصب والاحتيال على المواطنين أو نهب المال العام, وكلنا يعرف أنه خلال هذه الحرب الملعونة على سورية التي أتت على الأخضر واليابس أن الكثير من الذين كانوا يملكون رأس المال قبل فترة الحرب- والمعدودين على الأصابع- قد تلاشى معظمهم هم وأتباعهم وظهر بدلاً منهم كمٌّ كبيرٌ من الذين يمتلكون رأس مال هائلاً قسم كبير منهم جنى هذه الأموال بطرق فاسدة وتعمل الجهات المختصة على الكشف عن بعضهم وآليات جمع أموالهم بين الفينة والأخرى… ومعظم المواطنين يعلمون أن قسماً كبيراً من الذين ملكوا هذه الأموال الهائلة كانوا إما مزارعين أو عاملين وبعضهم يبيع الخضار والفواكه ووو…الخ، وهؤلاء استطاعوا استثمار جزء من أموالهم خلال هذه الفترة لإسكات بعض الجهات الرقابية لغض الطرف عن حقيقتهم، ويفرح المواطنون حين تعلن الجهات المعنية بين فترة وأخرى عن اكتشاف بعضهم ومحاسبتهم واستعادة المليارات منهم للخزينة العامة، ونحن كوسائل إعلامية يحكمنا قانون المطبوعات بحيث لا نستطيع توجيه أصابع الاتهام في هذه الوسائل بشكل مباشر إلى فاسد ما إلّا من خلال وثائق دامغة وبيّنة بحيث نضمن عدم الملاحقات القانونية والقضائية التي يجيد الفاسدون استخدامها من خلال تجييش كم هائل من المحامين، بينما كصحفيين معظمنا لا يستطيع إلا الوقوف في طابور دور الغاز للحصول على أسطوانة وتحاشي العراك على مخبز للحصول على ربطة خبز… الخ، ولكن نحاول من خلال أساليبنا الصحفية التي تعلمناها أن نشير بشكل غير مباشر إلى بعض هذه الحالات وهذا ما نستطيع فعله ومازلنا نحاول تقديم المزيد، وسأضرب لكم مثلاً لإحدى الصحف العالمية عن هذه الأساليب: شنّت إحدى الصحف الفرنسية في عهد الرئيس شارل ديغول حملة على المجلس البلدي لمدينة باريس حيث كان مما قالته هذه الصحيفة ( إن نصف أعضاء المجلس البلدي لصوص),
فقرر المجلس مقاضاة الصحيفة ولكن جرت محاولات للتصالح مابين المجلس والجريدة فوافق المجلس البلدي على التصالح شرط أن تعتذر الجريدة عن إهانة المجلس وتنشر ذلك الاعتذار في المكان نفسه والمساحة نفسها على صفحاتها.. قبلت الجريدة ونشرت الاعتذار التالي: (كتبنا بالأمس أن نصف أعضاء المجلس البلدي لصوص, والحقيقة أن نصف أعضاء المجلس البلدي ليسوا لصوصاً)؟!.