المثقفون المعتقلون زمنَ النظام المخلوع: ليس سهلاً التعوّدُ على التفكير الحر بعدَ عقودٍ من التصحّر السياسي!

الحرية- جواد ديوب:

سمعنا الكثير عن المثقفين السوريين المعتقلين وعذاباتهم في سجون النظام المخلوع، لكن أن نسمع بطريقة “قيل عن قال”  تختلف عن سماعنا لحكاياتهم منهم شخصياً.. جريدة (الحرية) قاربت هذا الموضوع عن كثب وباختصار لسنين طويلة من الاعتقالات تستأهل أن يكتب عنها الكثير.

في زنزانة انفرادية!

يخبرنا المترجم عبد الله فاضل باختصار كيف “اعتقل أول مرة في ١ شباط، ١٩٩٢ لارتباطه بحزب العمل الشيوعي في سورية مع مجموعة من أواخر كوادر الحزب وكيف أنه قضى الشهر الأول من الاعتقال في فرع فلسطين، بعدها نقل إلى فرع التحقيق وقضى فيه شهراً ونصف، وكل الوقت في الفرعين كان في زنزانة انفرادية”!

“بعدها -والكلام لفاضل- أُحِلتُ مع المجموعة إلى سجن صيدنايا. ثم أحلت إلى محكمة أمن الدولة العليا. حكمت عليّ المحكمة بعد سنتين بالسجن عشر سنوات بتهمة (الانتماء إلى جمعية تهدف إلى تغيير كيان الدولة الأساسي) وسبع سنوات بتهمة (مناهضة تطبيق النظام الاشتراكي على أساس المرسوم ٦) ثم تمّ دمج الحكمان وأُخِذَ بالأشد”.

“الخروج إلى الهواء الطلق”!

*نستفسره: كيف تغلبت على سنيِّ السجن وقسوته؟

يقول عبد الله فاضل: “بعد الاستقرار بالسجن – وقد كانت فترة التسعينيات فترة مريحة نسبياً- حيث كانت لدينا مكتبة كبيرة، والزيارات مفتوحة مرة كل شهر وبالتالي كانت لنا فرصة أن نشغل وقتنا بأمور مفيدة. أنا مثلاً فور اجتماعي مع الرفاق القدامى في السجن بدأت دورة لتعلم اللغة الإنكليزية على يد صديقي وأستاذي علي برازي، وإلى جانب تعلم اللغة، كنت أقرأ كثيراً وفي مجالات عديدة ولا سيما في المجالات التي لم يكن لدي اطلاع عليها… كنت أمارس الرياضة تقريباً بشكل يومي إضافة إلى تفاصيل أخرى كثيرة؛ إذ علينا أن نرتب وننظم كل جوانب حياتنا من إعداد الطعام إلى الجلي والشطف…وصنع بعض المشغولات اليدوية من العظم أو الخشب أو أشياء أخرى…ثم بدأت التدرب على الترجمة في السنتين الأخيرتين من السجن، إذ ترجمت رواية لجورج أورويل، وقد صدرت بعد خروجي بسنوات بعنوان “الخروج إلى الهواء الطلق”.

مرحلة الاختباء!

الناشطة أميرة حويجة المهندسة المدنية الاستشارية التي سعت وتسعى من أجل سوريا للجميع من دون تمييز تقول لصحيفة “الحرية”: “اعتقلت بسبب علاقتي بحزب العمل الشيوعي وكان يخوض عمله في ساحات سوريا المختلفة بشكل سري؛  حيث لا يوجد قانون أحزاب في سوريا، انتسبت للحزب عام 1979وتواريت عن الأنظار لمدة عام في حلب واعتقلت في 1987 في فرع التحقيق العسكري في حلب، ثم إلى فرع فلسطين في دمشق لنكمل مشوار العذاب والتعذيب، ثم فرع التحقيق العسكري في دمشق كل ذلك كان لثلاثة أشهر لم يكن لدينا ما نفعله سوى قصّ الحكايا، وأحيانا تأليف وإلقاء النكات خارج جولات التعذيب في مساحات ضيقة لا تسمح بنومنا جميعاً… وبعد ثلاثة أشهر في آذار 1988 ساقوني إلى سجن دوما المركزي للنساء وهو سجن مدني بقيت فيه حتى خروجي من المعتقل في26/11/1991.

محروماتٌ من الزيارة!

أميرة حويجة تقول لنا أيضاً: “إن القراءة بوجود مكتبة داخل السجن كانت وسيلة مهمة لقضاء الوقت، وكان لتفاصيل الحياة اليومية مع نساء مختلفات من المجتمع وقتاً، ولانتقالنا من العمل السري للعلني وقتاً… ولأننا كنا محرومات من الزيارة فقد كان للأعمال اليدوية وقتاً ننجز فيه بضاعة لسوق السجن، طبعاً للكتابة وقت، ولانشغالي بوضع زوجي (مضر الجندي) الذي جهلنا مصيره وقتٌ آخر… أخبارٌ من هنا وهناك…وكان اليوم يمضي ببطء شديد، لكن أربع سنوات من الحرمان مرت سريعاً بآثار مازالت حتى اليوم”.

اعتقالات متكررة!

ويعاود عبد الله فاضل حديثه لنا كيف أُطلِقَ سراحُه مع مجموعة كبيرة من المعتقلين السياسيين بموجب عفو أخلى سبيلهم عام ٢٠٠٠ لكنه لم يلغِ آثار الحكم… “إذا بقيتُ مجرداً من الحقوق المدنية حتى ٢٠٠٩، لكن في عام ٢٠١٦ اعتقلت مرة ثانية من جانب المخابرات الجوية في مطار المزة، وقضيت في السجن ٨٤ يوماً من بينها ١٢ يوماً في سجن الآمرية، وكان السبب هو اتصالات مع شخص له علاقات داخل الغوطة!

فرصة نادرة!

*وكيف ترى حال المثقف السوري بعد سقوط النظام القمعي؟… نسأله فيجيبنا فاضل: ليس من السهل أن تتعود على التفكير الحر والمبادرة الحرة بعد عقود طويلة من التصحر السياسي وجفاف الحياة العامة. لكني أجدها فرصة ليستعيد المثقف دوره التنويري، ويلعبَ دوراً إيجابياً على طريق التعددية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وكل القيم المعاصرة في إدارة الحياة العامة”.

سماعُ المختلف!

نحيلُ السؤال إلى الناشطة حويجة: كيف ترين حال المثقفين بعد رحيل الطاغية؟.. حويجة تعلّق على العبارة وتقول: “رحيل الطاغية هي عبارة ملطّفة فهو يستحق أقسى منها… لكنها جاءت في وقت كنا قد فقدنا فيه الأمل بالتخلص منه، أما عن  السرعة التي تمت بها الأمور جعلتني سعيدة وغير مصدقة… تخيل أنه لأول مرة في حياتي أستطيع التعبير عن رأيي بحرية تامة وهذا جيد حتى الآن!

لكن بعض المخاوف بدأت فنحن في مجتمع لا يعرف أفرادُهُ حقوقَهم وواجباتهم، لا يعرفون كيف يساهمون في بناء دولة مؤسسات حرموا فيها من المبادرات الجماعية.

أميرة حويجة تكمل كلامها: ” المثقف السوري يحتاج الى حريات عامة فهو مثل غيره من المواطنين يحتاج الى وضع آمن في البلاد؛ فماذا علينا مثلاً أن نفعل من أجل السلم الأهلي؟  وكيف سننهض بالبلاد؟ وكيف يمكن أن نوصل صوتنا لنعمل معاً من أجل حوكمة رشيدة؟ وهل ننجح فعلاً بسماع أصوات مثقفي سوريا على اختلاف مشاربهم ..”!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار