تتطلب أفكاراً خارج الصندوق وبحثاً عن “الأرخص”.. تفاوت الأسعار مشكلة تبحث عمن يحلحل عقدتها
الحرية – عمار الصبح:
في غمرة الحديث عن توافر المواد الغذائية في الأسواق وانخفاض أسعارها بنسب مختلفة، لا تزال الفوارق في الأسعار وتفاوتها بين محل وآخر أمراً شائع الحدوث في الكثير من المناطق في محافظة درعا، وخصوصاً في الأرياف، وأياً كانت حجج وذرائع الكثير من التجار لتبرير هذه الفوارق، يجد المواطن نفسه إما مضطراً للقبول بالأمر الواقع، أو التصرف “خارج الصندوق” عبر توسيع الخيارات وخوض غمار رحلة البحث عن الأرخص.
البحث والتقصي
بعيداً عن الخوض في أسباب ظاهرة اختلاف الأسعار وتفاوتها، يتحدث محمد مذيب عن تجربته في مواجهة المشكلة، إذ يفضل أن يسأل ويستقصي عن أية سلعة قبل شرائها، حتى وإن تطلب منه ذلك التنقل من محل إلى آخر، بل منطقة وأخرى، عله يحظى في نهاية بحثه بعروض مشجعة تتناسب مع مستوى دخله.
خبير: اختيار مطارح التسوق الأوفر ليس عيباً بل هو ثقافة عالمية رائجة
يؤكد الرجل الخمسيني أن ما يدفعه للقيام بذلك، هو وجود فوارق كبيرة في سعر السلعة نفسها، ما يجعل من المفيد السؤال عن السعر أولاً وقبل الشراء، والاستفادة من العروض التشجيعية التي يعلن عنها بعض أصحاب المحال التجارية بين فترة وأخرى.
فروقٌ “محرزة”
حال الرجل لا يختلف كثيراً عن حال كثير من الأسر في محافظة درعا الباحثة عن التوفير في ظل ظروف معيشية صعبة، حتى ولو تطلب الأمر توسيع نطاق البحث والخروج من ثقافة “الأمر الواقع” التي لطالما فرضها تجار وأصحاب محال لتعزيز مكاسبهم، في وقت لا يزال البعض منهم متمسكاً بها.
تبين إحدى السيدات في حديثها لصحيفة الحرية، أن الأمر سيكون مقبولاً لو كان الفارق في السعر بسيطاً، عندها سيتجنب المواطن مشقة البحث طويلاً، أما وأن يكون الفارق بالآلاف، فالرحلة تستحق المعاناة، لافتة إلى أن بعض المحال لاتزال تبيع كيلو السكر مثلاً بـ10 آلاف ليرة، فيما يباع في محل آخر بـ 8 آلاف ليرة، ويمكن القياس على ذلك فيما يتعلق بالزيت والسمنة والخضار وغيرها من المواد الأساسية، أي إن الفارق في الفاتورة سيكون “محرزاً” في حال اشترى المواطن أكثر من سلعة واحدة.
وتضيف: من المفيد في مثل هذه الظروف توسيع دائرة التسوق والبحث عن المكان الأرخص، فقاعدة السوق هي العرض والطلب، وسيجد التجار المتمسكون بأسعارهم المرتفعة أنفسهم ملزمين بالمنافسة وتخفيض أسعارهم إذا أرادوا البقاء في السوق.
وفي هذا السياق، يشير فراس العواد إلى تجربته في ارتياد الأسواق الشعبية التي تتيح له تنوعاً أكبر في المعروض من الخضار والمواد الغذائية، وهامشاً أكبر في السعر، حسب وصفه، مبيناً أن أي حديث يراه البعض عن مشقة ارتياد هذه الأسواق يظل أهون إذا ما قيس بفارق السعر بينها وبين المحال الأخرى في الأحياء.
ويلفت العواد إلى العديد من المزايا النسبية التي حققتها الأسواق الشعبية، وأهمها تمكين الكثير من المنتجين، وخصوصاً الزراعيين من عرض سلعهم ومنتجاتهم للمستهلكين من دون المرور بالوسطاء أو التجار وبأسعار أخفض، وهو ما يجعلها متنفساً لذوي الدخل المحدود.
ظروف “موضوعية”
وفيما لا ينفي بعض الباعة وجود تفاوت في أسعار بعض السلع، يؤكدون في الوقت نفسه وجود ظروف وأسباب اعتبروها “موضوعية” لهذا الأمر.
وفي عرضه لهذه الظروف، يكشف أحد أصحاب البقاليات عن أن أحد الأسباب، هو وجود عروض خاصة تحصل أحياناً على كميات محددة من السلع قبل نفاد مدتها، وهذا ما لا يعمم على سعر السلعة نفسها إن كانت حديثة الصلاحية، لافتاً إلى سبب آخر، وهو أن تقوم محال كبرى وتجار جملة بتخفيضات على العديد من السلع والمنتجات لديها، وهو ما لا تستطيع البقاليات والتجار “الصغار” القيام به، لذلك من الظلم المقارنة بين هؤلاء، لأن تكلفة المنتج لها حساب هنا، وبالتالي فالحديث عن وجود تفاوت في الأسعار يعد أمراً طبيعياً في ظل اختلاف الإمكانات.
تغيير ثقافة الاستهلاك
بدوره، شدد خبير التسوق مجد العمار أن عملية ضبط إيقاع الأسعار في السوق هي مهمة مشتركة، فالجهات المسؤولة والأجهزة الرقابية ليست وحدها المعنية بهذا الأمر، إذ إن المستهلك شريك أيضاً، وذلك من خلال توجيه بوصلة استهلاكه نحو مطارح التسوق التي تناسب دخله، والبحث عن الأرخص والأوفر، وخصوصاً أن السوق يشهد اليوم حالة من الوفرة في المواد مع وجود عروض تشجيعية على الأسعار، وما على المستهلك سوى أن يبحث عن الفرصة المواتية للتسوق واختيار ما يناسبه.
وأشار خبير التسوق إلى أن البحث عن خيارات التسوق الأرخص ليس عيباً، بل هو ثقافة رائجة ومعمول بها في كل دول العالم، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على تغيير مطارح التسوق بين حي وآخر أو بين منطقة وأخرى، بل بين دولة وأخرى أيضاً، فكثيراً ما يقوم مواطنون من النرويج مثلاً بالتسوق من السويد والعكس صحيح، وذلك للاستفادة من العروض الترويجية المتاحة في كلا البلدين.
وشدد الخبير على ضرورة تعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك، حتى من قبل المقتدرين مادياً و(شراء ما تحتاج وليس ما ترغب) والتركيز على الأساسيات، والبحث دائماً عن بديل للسلع مرتفعة السعر.