ضرورة الاعتراف بالآخر القريب والبعيد.. الدكتور محمد الحوراني: حدث السقوط مادةٌ غنيةٌ للكتابة والبحث 

الحرية- لبنى شاكر: 

لم يحتج اتحاد الكتّاب العرب في سورية زمناً فاصلاً أو حتى تريثاً ليقول كلمته، فبعد ساعاتٍ فقط على سقوط النظام البائد، نشر الدكتور محمد الحوراني في صفحته الشخصية على فيسبوك، بياناً يدعو فيه السوريين للابتعاد عن الانتقام والدماء والدمار، وإلى تحكيم العقل وإعلاء شأن الوطنية السورية، ولا مبالغة لو قلنا إن هذه الأسبقية تُحسب للاتحاد كمؤسسةٍ ثقافيةٍ فاعلة، أمّا اليوم، وبعد مرور شهرٍ ونصف على الحدث المفصلي في تاريخ سورية المعاصر، أصبح بالإمكان الكلام عن انعكاس الواقعة على الساحة الثقافية المحلية، بعد عقود من الاستبداد والاستئثار والأُحادية في الرأي والتوجه.

العقود الخمسة الماضية أثبتت أن ثقافة اللون الواحد والإقصاء ماهي إلا تأسيس لحالة من الجمود الفكري والانسداد المعرفي

الارتقاء بالمشهد الثقافي

يستحضر رئيس اتحاد الكتّاب العرب في سورية الدكتور محمد الحوراني في حديثه مع “الحرية”، ما حدث في سورية صبيحة الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤، ويقول: “كانت لحظة تاريخية فاصلة وحاسمة ليس في تاريخ سورية وحدها وإنما في تاريخ المنطقة والعالم، وهي لحظة لن تقتصر على الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإنما ستنتقل إلى الثقافة والتربية والتعليم والفن، ولهذا فإن الكاتب والأديب والمبدع بحاجة ماسة إلى بذل جهود حقيقية من أجل الارتقاء بالمشهد الثقافي والإسهام ببناء ثقافة أصيلة قادرة على مدّ شرايينها في الحقول المعرفية والمجالات الاجتماعية والفنون الأدبية بمختلف أنواعها وأجناسها، فضلاً عن التأسيس الحقيقي لثقافة الاختلاف بعيداً عن الخلاف والعنف والفرقة والاستئثار بالرأي، وهو ما من شأنه أن يأخذ المجتمع إلى الاحتراب والاقتتال، ومن ثم يتفرق الصف وتتشتت الجهود في سبيل إقامة دولة وطنية ينشدها جميع العقلاء”.

ثقافة العصبيات المريضة

ولفت الحوراني إلى أن العقود الخمسة الماضية أثبتت أن ثقافة اللون الواحد والإقصاء ماهي إلا تأسيس لحالة من الجمود الفكري والانسداد المعرفي الذي سيأخذ المجتمع إلى بقع سوداء ومواقع ظلامية لا يرضى بها إلا أصحاب الفكر الأسود والقناعات المريضة.

من شأن حدث السقوط الكبير أن يُشكّل مادةً غنيةً للكتّاب والمبدعين بمختلف انتماءاتهم واهتماماتهم الأدبية

مُضيفاً: “أثبتت ثقافة العصبيات المريضة والانتماءات المجزأة قدرتها الفائقة على ضرب الإبداع وتشويهه وإبعاد المثقف الحقيقي عن التفكير بلحظة الإحساس الجماعي التي غدونا أحوج ما نكون إليها في الفكر والإبداع والتربية، بعيداً عن التخندقات والإيديولوجيات المتصارعة”.

ورأى رئيس اتحاد الكتّاب أن “المرحلة اليوم تحتاج مزيداً من العمل الثقافي والإبداع الحقيقي القائم على حاجات مصيرية للمجتمع، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تحلي المثقف والأديب بمزيد من الشجاعة والصبر والجرأة التي افتقدها لسنوات طويلة، وهو ما يرتكز بالضرورة على الاعتراف بالآخر، الآخر القريب الذي تتعزز به لحمة المجتمع، والآخر البعيد الذي لا يمكن للنهضة المرتقبة أن تتحقق بعيداً عنه أو بغيابه وفق ما يراه الفرنسي آلان تورين”.

المرحلة اليوم تحتاج مزيداً من العمل الثقافي والإبداع الحقيقي القائم على حاجات مصيرية للمجتمع

مادة غنيّة للكتابة

سألنا الحوراني أيضاً، عمّا إذا كان يمكن له أن يقدم مُؤلفاً يرصد فيه الحدث أو تداعياته المجتمعية في قادمات الأيام؟ وكانت إجابته لـ “الحرية”: “ما حدث في سورية ستكون له آثاره الكبيرة على المشهد الإبداعي والثقافي في سورية، ومن شأن هذا الحدث الكبير أن يُشكّل مادة غنية للكتاب والمبدعين، بمختلف انتماءاتهم واهتماماتهم الأدبية، للكتابة عنه والبحث فيه وخاصة لجهة تحررهم من الاستعباد والاستئثار بالرأي الذي هيمن على الإبداع والثقافة في سورية لأكثر من نصف قرن، كما أن هذا الحدث التاريخي المفصلي يشكل هاجساً كبيراً لي، على المستوى الشخصي، من أجل البحث فيه وسبر أغواره، لاسيما لجهة مقارنته ببعض الأحداث التاريخية التي أدت إلى سقوط حكام وأنظمة شمولية صادرت الثروات، وأحكمت سيطرتها على الأفكار والعقول سعياً منها لقتل كل إبداعٍ حقيقيٍّ وفكرٍ حر”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار