من المكتبة إلى المهجة: الشغف باقتناء توقيعات المشاهير!
تشرين- حنان علي:
الهوس بالبحث عن اقتناء كتب موسومة بإهداءات المشاهير شغفٌ فريد لأحد عوالم الأدب والثقافة، خاصة أن العثور على كتب مهداة بتوقيع كاتب أو شخصية مشهورة يشبه التنقيب عن كنز دفين يحمل في طياته قصة خاصة وذكريات لا تُنسى. ونرى أصحاب هذه الهواية ينبشون بين رفوف المكتبات ودور النشر، حيث يبحثون عن تلك اللحظة السحرية التي قد تجمعهم بكتابٍ يحمل أحرفاً خطتها يدٌ تركت أثرها في قلوب الكثيرين.
دواعٍ
حيث تتعدد الأسباب وراء هذا الهوس؛ فالبعض ينظر إلى تلك الكتب كتذكار شخصي، في حين يعتبرها الآخرون بمثابة استثمار ثقافي. فالكتاب المُهدى ليس مجرد صفحة تحمل حروفاً عادية، بل هو شهادة على لحظة تاريخية، وعندما يكتب المؤلف إهداءً خاصاً، يضيف شيئاً من روحه إلى العمل، ما يزيد من قيمته. إن إحساس القارئ بامتلاك جانب من خطّ شخصيات بارزة يجعل الانغماس في النصوص أكثر عمقاً وخصوصية. وقد يرتبط هذا الهوس أيضاً بالشغف بالكشف عن أسرار الأدب ومعرفة المزيد عن الشخصيات التي تقف خلف الكلمات. فكل كتاب يحمل إهداءً قد يسرد شيئاً عن حياة كاتبه، تجاربه، وطريقته في فهم العالم، إنها دعوة للتأمل والتفكر في فلك أفكاره.
سوقٌ موازٍ
ومع تواصل هذه المساعي، يظهر سوقٌ موازٍ يهتم بتلك النسخ الخاصة، فتقام المعارض وتتوالى المزادات ويتقاطر عشاق الكتب من كل حدب وصوب، عازمين على ضم ما يمكن إلى مكتباتهم، متعهدين بحفظها كتحف أثرية تُروى حولها الحكايات، كقصص كبرى في عصر يتسارع فيه كل شيء.
ومن أرق الإهداءات ما خطه الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري لصديقه على أولى صفحات روايته الأمير الصغير .. (Le petit prince)
إلى: ليون ويرث
أستميح الأطفال عُذراً إذْ أهدي هذا الكتابَ إلى شخصٍ كبير. ولدي حُجج بالغة أستهلها بأنه صديقي المُفضل في العالم، كما أنه الشخص الكبير يمكنه فهم كل شيء، حتى الكتب التي تتحدث عن الأطفال. أما الحُجة الثالثة: فهذا الشخص يعيش في فرنسا حيث يجوعُ ويبردُ، لذا فهو بحاجةٍ للمواساة حقاً. فإن لم تكن جميع هذه الأعذار كافيةً لكم .. فسوف أهدي هذا الكتابَ إلى الطفلِ الذي كانهُ هذا الشخص الكبير يوماً ما، فكل الكبار كانوا أطفالاً (لكن قليلٌ منهُم من يذكُر ذلِك)، لذا سأصوّب إهدائي ليكون: عِندما كانَ طِفلاً صَغيراً.
عن إهداءات
ومن طرائف إهداءات الكتاب ما كتبه لأمه؛ راسل براند، المغني والمؤلف ومقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، قائلاً: “هذا الكتاب، أهديه إليك يا أعظم امرأة في حياتي، لكن بحق السماء، لا تقرئيه.”
ومن بين الإهداءات التي تحمل طابعاً مميزاً، يقدم الكاتب أدهم شرقاوي إهداءه في كتابه “كش ملك” لمعلم اللغة العربية الذي ألقى دفتر التعبير على وجهه قائلاً: “ستموت قبل أن تكتب جملة مفيدة!”.
لكن بعيداً عن الشغف والاكتناز، يبقى السؤال الأهم: هل يكفي أن نحصل على الكتاب، أم أن القيمة الحقيقية تكمن فيما يقدمه لنا من معارف وتجارب، سواء كان مهدياً أم غير مهدى، فمالذي تفعله كتب مماثلة في متاجر الكتب؟
إنه التفريط باللحظة الماضية الثمينة، إذ تتكدس الأعمال ذات القيمة الأدبية العالية على الرفوف، بينما تمر عليها أعين المارة من دون أن تتوقف أو تتأمل. إن الكتب ليست مجرد أوراق مطبوعة تحمل قصصاً وأفكاراً، بل هي نوافذ إلى عوالم جديدة ورؤى مدهشة. فما إن تحدثنا عن الكتب الموسومة بإهداءات لأشخاص مشهورين، فإن الأمر يصبح أكثر عمقاً وتعقيداً.
كتب وتواقيع
بدورها الإهداءات ليست تواقيع على الصفحة الأولى من الكتب، بل تمثل لحظات خاصة يتمنى القراء الاحتفاظ بها كذكرى ثمينة. ومع ذلك، فقد نجد أن بعض القراء يختارون التخلي عن هذه الكتب، سواء من خلال التبرع بالكتب أو البيع.
فهل الهدية غير ذات قيمة عاطفية بالنسبة لهم؟ أم أن أهميتها تخبو بعد فترة من الزمن؟ هل يرغبون بمساعدة الآخرين لبناء مكتبتهم الخاصة؟
لعلّ التبرع بكتاب يحمل إهداء يمكن أن يُعتبر لفتة نبيلة حقاً!
من جهة أخرى، يجد أصحاب المتاجر أن الكتب التي تحتوي على إهداءات مشهورة فرصة لتحقيق بعض الأرباح، خاصة إذا كانت هذه الإهداءات نادرة ومطلوبة في السوق. وقد يُسهم ذلك في تمويل مشاريع جديدة أو شراء كتب أخرى تثير اهتمامهم. لكن هذا الخيار يمكن أن يكون محل جدل، حيث يأخذ البعض في اعتباره قيمة الإهداء العاطفية التي قد يفقدها الكتاب بعد عملية البيع.
عن العلاقة بالأشياء
كذلك ثمة جانب نفسي يثير تساؤلات عميقة حول علاقتنا مع الأشياء التي نملكها. هل نحتفظ بالأشياء لأجل ذكراها، أم نقدر قيمتها المادية أكثر؟ قد تعكس هذه القرارات تغييرات في الأولويات والاهتمامات مع مرور الوقت. والمؤكد أن هذا النقاش يبرز تعددية الرؤى والتجارب المرتبطة بفكرة الإهداءات.
و في الختام؛ ما انفكّ كل إهداء يحمل قصة فريدة ومشاعر متباينة. سواء قرر القارئ التبرع أو البيع، وتبقى هذه اللحظات جزءاً من تجربة القراءة وتظل علامة على تأثير هؤلاء المشاهير على حياتنا.