معرض الكتاب والأحلام

زرت معرض مكتبة الأسد الوطنية للكتاب مرتين، زيارة أولى صباحية، أسعدت قلبي، فمجرد فعل المرور من بابها الزجاجي شرح صدري، وكان فعلاً وجدانياً بامتياز، تأملت بحركة استطلاعية واحدة المكان، وعزّت علي قلة الدور المشاركة بالاحتفالية، صغر المساحة، عدد الكتب على الرفوف، وعزّ عليّ أنني لم أصعد سلالم مكتبة الأسد الكبيرة!
بين صورتين تذكرت صخب الأمس واتساع حدقة العين الاستطلاعية، رائحة الكتب والقهوة و”البوشار” وغزل البنات، تأثرت لفكرة الاختزال وضيق المكان إذا ما قورن بمعرض أيام زمان، حتى هلّ على المعرض جمع غفير من الزوار، كلهم أطفال بثياب الروضة الجميلة زهر وسماوي وحقائبهم الملونة أجمل ألوان، تنفست الصعداء وتصالحت مع عقلي الباطني، واستذكرت واقع أيام الحرب والحصار، واستغنيت قدر الإمكان عن طموحات صعبة التحقيق والوضع مأزوم محلياً وفي دول الجوار، وتأملت خيراً برؤية الأطفال يمثلون جيلاً كاملاً يستحق الجهد لبناء مستقبل يصنعه شباب المستقبل، كانوا أطفالاً، ومروا مرور الكرام، بمعرض الكتاب، اشتروا منه قصصاً أو ألعاباً، أو اقتصرت رحلتهم على قصص حكتها المعلمة عن المكتبة والمعرض أو «الجميلة والوحش» و«الشاطر حسن«.. و«ليلى والذئب».

في المرة الثانية كانت الزيارة مسائية، وحضرت توقيع كتاب لأديب صديق، وتجولت في المكان بوجه حزين وأمسى شاحباً، لحظة محاولتي الخروج من باب هامشي، لاستطلاع حديقة المكتبة ولفحني هواء بارد، تساءلت عن التوقيت، لمَ لم يكن قبل شهر أو حتى أيام، ليكون الطقس أفضل، لأنه ماذا لو رعدت وأبرقت وأمطرت السماء!؟ ماذا عن الزوار؟
صوت الموسيقا أيقظني من حالة النق والشكوى، وتتبعت الصوت حاولت دخول القاعة، الباب مكتظ بالزوار، وكل المقاعد مشغولة شباباً ونساءً وأطفال، منظر رفع من معنوياتي وحفزني صوت المطرب للتصفيق الحار والغناء بصوت عال مع الجمهور: “الأرض بتتكلم عربي..الأرض الأرض”..
حضور ولا أروع، أطفال يجلسون على درج القاعة، شباب وصبايا يقفون على طول الممر يستمعون ساعة كاملة لاحتفالية على هامش معرض الكتاب، أستذكر حالة النق الآنية وأستحضرها، لماذا لا يتم تقديم الفعاليات الفنية المجانية في المناسبات والأعياد الوطنية؟
استنهضت معنوياتي بمتابعة تجوالي في المعرض، واقتنيت من زاوية صغيرة تتبع للمتحف الوطني، تماثيل سورية مجسمة عمرها آلاف الأعوام، “لربة الينبوع” والمغنية “أورنينا” بمعبد عشتار والتي يقال إنها أول من غنت على وجه الأرض سنة ٣٥٠٠ قبل الميلاد.
أغلقت محفظتي التي باتت شبه خاوية، فسعر الكتاب بات رقماً والتماثيل بأسعارها شبه الرمزية إلا أن “القلم جماع” والحال والأحوال “يا دوب” يسند خاطره، ذكرى الأمس وآمال بغدٍ أجمل يحل فيه السلام والاستقرار، وتنتهي حروب المنطقة، وينتصر الحق، وتعود المطارات لاستقبال السياح، وأصحاب دُور نشر، وأدباء يزورون سورية لتوقيع كتبهم على أرض المعارض التي انتقل إليها معرض الكتاب يوماً لضيق مكتبة الأسد على دور العرض والزوار.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار