الجميع على مساحة الوطن يبحث عن حلول، لتحسين الواقع الاقتصادي المتردي، ومعالجة المشكلات الناجمة عنه، وخاصة المرتبطة بمعيشة المواطن اليومية، التي كانت في مقدمة مكونات الآثار السلبية للأزمة الحالية، والتي يعيشها بلدنا بفعل الإرهاب، وما أعقبه من نتائج خطيرة، على البنية الاقتصادية وخاصة أهم مرتكزاتها” القوة التصنيعية من ألفها إلى يائها” والتي باتت مشكلة أمام الحكومات المتعاقبة خلال سنوات الأزمة، وتفاقمت بصورة متلاحقة نتيجة نقص المواد والموارد بفعل الحصار الاقتصادي والعقوبات، الأمر الذي ترك واقعاً سيئاً على المستويين الخدمي والمعيشي، وهذا بدوره احتل القسم الأكبر من التفكير الحكومي، وتصويبه باتجاه إحداث نقلة نوعية تترك آثاراً إيجابية على الواقع، قد يتلمسه المواطن بصورة مباشرة.
لكن “للأسف الشديد” هذه الصورة تزداد صعوبة شيئاً فشيئاً، لأسباب يعلمها الجميع، وهذه لن تزول إلا من خلال جهد حكومي متكامل يأخذ بالأبعاد الجوهرية لأصل المشكلة، والبدء بتنفيذ أجندة إصلاح ومعالجة، تبدأ أولى خطواتها، بالقوة التي تعطي للاقتصاد الوطني إمكانية التحرك نحو الأفضل، وهذه تكمن في زيادة إنتاجية التصنيع ببعديها “الزراعي والصناعي”، وذلك من خلال تشخيص الواقع الفعلي، ومعالجة مشاكله، خاصة ما يتعلق بنقاط أساسية تحمل مفردات مهمة بدأت بخروج الآلاف من المنشآت الصناعية من ميدان العمل، بسبب التخريب الممنهج من قبل أهل “الإرهاب” ولازمها إفراغ المكون الصناعي في القطاعين العام والخاص من الخبرات المحلية، وحتى الأجنبية التي كانت تعيد تأهيل بعض المنشآت، أو إنشاء مشروعات جديدة، ناهيك عن هروب الرساميل المحلية ، والأخطر هو فقدان حوامل الطاقة، وزيادة تكاليف إنتاجها وتأمينها، دون أن ننسى مشاكل المصارف وعمليات الإقراض وفتح الاعتمادات بالبنوك الخارجية، وتراجع عمليات التصدير وعدم استقرار أسعار الصرف، ونقل معامل بأكملها إلى دول الجوار بطرق شرعية أو غيرها، لكن أخطرها خروج الملايين من اليد المنتجة العاملة من سوق الإنتاج، وهذا الرقم الذي اشتغلت عليه الحكومات السورية المتعاقبة لتحصين سوق العمل متعاونة بذلك مع القطاع الخاص الذي أمن غالبيتها، والأكثر خطورة هو تراجع ضخ الاستثمارات في مواقع الإنتاج والمشاريع الجديدة، الذي أدى لحركة ركود رافقها تراجع أداء وإنتاجية في معظم المجالات..!
ما ذكرناه القليل من معضلة كانت الهم الأكبر على طاولة الحكومات المتعاقبة، والتي لم تستطع إيجاد الحلول المناسبة لها، ليس لضعف الحيلة أو قلة التدبير، بل لنقص الإمكانات المادية، والموارد المسروقة من قبل الاحتلالين الأمريكي والتركي، دون أن ننسى أهل الفساد الذين أجهزوا على غالبية ما تبقى من خلال تشعب تفاصيل العمل..!
وهذه مسألة في غاية الخطورة، لا تقل عن خطورة سرقة الموارد، وهذه تفرض حالة من الجدية في التعاطي الحكومي لحلها، تبدأ أولى خطواتها بمعالجة سريعة تسمح لقوة الإنتاج أن تتصدر “الاهتمام الحكومي” خلال المرحلة الحالية والقادمة كقوة اقتصادية، توفر كل أسباب معالجة الواقع الاقتصادي المتردي، وانعكاسه بصورة إيجابية على معيشة الناس..!
لكن هذه العودة محفوفة بكثير من المخاطر لا بد من تجاوزها، ولاسيما ما يتعلق بالخبرات والتقنية المتطورة، وعودة الموارد، ومكافحة أهل الفساد، وتأمين بيئة الاستثمار وغيرها من مقومات يمكن الاعتماد عليها لتأمين تعاطي حكومي مسؤول ومميز يلمسه المواطن بصورة مباشرة في كل المجالات…
والسؤال هل تستطيع الحكومة تأمين ذلك في ظل ظروف هي الأقسى في تاريخ الاقتصاد السوري..؟!
الجواب في مفردات العمل الحكومي القادم.
سامي عيسى
166 المشاركات