الشعر في عالمٍ لا يلوي على سكون!!
فازت مؤخراً الكورية الجنوبية “هانج كانج” بجائزة نوبل للآداب لعام 2024، كأول امرأة آسوية تحصل على الجائزة، ومما جاء في الكلمة حول نتاج الكاتبة: “نثرٌ شعريٌّ مكثف يواجه الصدمات التاريخية ويكشف عن هشاشة الحياة البشرية”، وهو ما أجمع عليه النقاد؛ على أنه انتصارٌ للشعر، وتحديداً قصيدة النثر.. الشعر الجنس الأدبي الأكثر صموداً وثباتاً في وجه عاتيات التغيير في عالمٍ لا يلوي على سكون..
فلو ألقينا نظرةً على حركة التطور التاريخية لمسيرة الأنواع، والأجناس الإبداعية على تلوّنها، وتنوّعها، سنجد أنه في منعطفات كثيرة، كان ثمة “التهام” من بعض الأجناس الإبداعية لبعضها الآخر، أو افتراسها.. وأحياناً انزياح، وتماهٍ كامل الجنس الإبداعي في أجناسٍ أخرى يصلُ حدَّ الانقرض.. ولو نظرنا بين الأنواع الأولى للأدب على سبيل المثال، وبين واقع الأنواع الأدبية اليوم، سنجد أنّ جميع تلك الأنواع قد اختفت اليوم، وإن بقي نوعٌ فهو في تحوّلٍ إلى أشكالٍ جديدة، وإذا ما قارنّا بين هذا النوع في بداياته، وبين شكله الجديد نصيرُ كأننا أمام نوعٍ آخر تماماً ولاعلاقة له بشكله الذي نشأ منه..
وفي نظرة سريعة للأجناس الأدبية على وجه التحديد؛ فقد غابت أنوعً كثيرة ابتداءً من الأساطير، الملاحم، وغابت منذ مدّة طويلة – وحسناً أنه غاب – “فن المقامات” سيئ السجع، ولم تكد القصة القصيرة تزدهر حتى وصلت إلى مرافئها الأخيرة، وحتى ما تفرّخ منها من (قصة قصيرة جداً)، فقد حطت رحالها واحتضرت في متاهات الفعل الماضي والخاطرة.. وها هي اليوم (الرواية).. نعم الرواية تتجه لذات الانقراض، حيث تأتي (الجوائز) أقرب لضربات الإنعاش في غرفة العناية المُشددة..
وحده الشعر؛ بقي ذلك (الفن الساحر والماكر)، وكأنه خُلق ليتكيف مع كلِّ بيئةٍ يوضع فيها، مرواغٌ وبرغماتي يتكور حيناً، ويتمدد طوراً، ولا يملُّ يغيرُ في الشكل والبينة، مستثمراً الفنون كلها من بصرية وسردية، وحتى الفلسفة وعلم النفس والأديان..
الإبداع الذي بدأ شعراً، ومن ثمّ تغلغلَ في مختلف الأجناس الإبداعية، حتى بدا أنّ إي إبداعٍ لا شعر فيه ولا شعرية لا يُعوّل عليه، وللحديث بقية..
هامش:
من
مساكب اللغة؛
سأقطفُ لكِ نعنعَ الكلام
و.. أغنيه
من خلفِ أذنيكِ،
تماماً
كمن يبوحُ بسرٍّ..