تجاذبات كثيرة تحكم الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني، حول مكانه وزمانه ونطاقه وطبيعة الأهداف المحددة، وعند موضوع الأهداف تتضارب الأنباء بين أن تكون نووية أو عسكرية، نفطية وبنى تحتية، كما تتضارب حول طبيعة الدور الأميركي، حيث ظهر للعلن أن واشنطن تحاول «ردع» كيانها عن توجيه ضربة لإيران تكون الفاصلة بين حال اللاحرب والحرب، لكن في الكواليس والواقع فإن الحقيقة مُغايرة تماماً، فواشنطن تدفع باتجاه الرد أيّاً تكن طبيعته ومداه وحجمه، وتُجهز كيان الاحتلال بأنظمة دفاع صاروخي باليستي «ثاد» للرد على الرد، ما يرسم العديد من السيناريوهات ويفتح الباب أمام مروحة واسعة من التساؤلات.
الأكيد أن تزويد واشنطن للكيان بهذه المنظومة يُدلل على الفشل الكبير لـ«القبة الحديدية» في التصدي للصواريخ الإيرانية وصواريخ حزب الله، لكن الأهم من ذلك هو دخول أميركي علني، مباشر وصريح في الحرب المقبلة و/أو تحضير استباقي لها، وإقدام واشنطن على تزويد الكيان بتلك المنظومة يأتي خطوة متقدمة في هذا السياق، مع الانتباه إلى عدم الانجرار إلى الحرب، فلا الكيان يريد جرّ واشنطن ولا الأخيرة ستنجر إلى الحرب الشاملة الكبرى، بل تدفع الولايات المتحدة كيان الاحتلال إلى جرّ إيران إلى حرب، وبالتالي كل دول المنطقة، مُعتقدة أن من يبدأ الحرب سيخسر، ومُعتقدة أيضاً أن بدء إيران بالحرب سيفقدها كل أوراق القوة التي تمتلكها، يُضاف إلى ذلك المساعي الأميركية إلى جعل إيران مُنفردة معزولة بناء على استهداف «أذرعها» في المنطقة كما تزعم واشنطن، وبذلك من وجهة النظر الأميركية تكون إيران وحيدة في الحرب المقبلة وخسارتها حتمية، بعد ضرب مفهوم وحدة الساحات العسكري العملياتي.
لكن ماذا عن القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة؟ وماذا عن التهديدات الإيرانية باستهداف أي مكان ينطلق منه الرد الإسرائيلي؟
في الواقع لا تبالي واشنطن بأمن واستقرار دول انتشار قواعدها العسكرية في الخليج، بل ترى في ذلك فرصتها لإعادة روح الخلافات والانقسامات بين إيران وتلك الدول بعد محاولات كثيرة لتخطيها وإعادة تفعيل تلك العلاقات في سياق حسن الجوار والتعاون وما يجمع أكثر مما يُفرق، كما تعمد إلى إغراق المنطقة بالحرب وتداعياتها، لإعادة رسم مُخططات جديدة على صعيد السياسة والاقتصاد والطاقة والديموغرافيا، تتجاوز بكثير مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي باء بالفشل، وهي إذ تُريد الحرب فلا بد أن تكون حرباً كبرى شاملة وواسعة تشمل العدو والحليف وتوفر مناخاً دائماً للاقتتال والصراعات الطائفية المذهبية، صحيح أن هذه العقيدة الأميركية ليست جديدة، بل هي مُتأصلة في استراتيجية الولايات المتحدة، لكنها إلى الآن لن تؤتي ثمارها بعد، لذلك هي في تجدد دائم.
أميركا تجد اليوم أن هذه آخر الفرص للقضاء على حركات وقوى المقاومة وحصر الصراع في جبهة واحدة وحيدة ومن ثم إسقاطها، وإقامة منطقة جديدة أميركية خالصة، لكنها فرصتنا أيضاً وآخر الفرص لاستكمال طريق المقاومة وإحباط كل المخططات الأميركية ولا سيما أن حركات المقاومة بكل أطرافها ليست كما السابق، بل هي اليوم أكثر قوة وإيماناً وتحدياً وعزيمة وإرادة.. وتسليحاً.
هبا علي أحمد
325 المشاركات