تحرير أوروبا من بوابة الهزيمة الأمريكية في أوكرانيا
تقرير- راتب شاهين:
ليس بجديد في العلاقات الدولية الكشف عن عملية إشعال النيران، التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، في أنحاء متفرقة من العالم، للحفاظ على سطوتها وهيمنة دولارها، فالفوضى المسلحة التي تصنعها أمريكا، وحدها التي تبقيها على عرش العالم، حيث تقاتل بالوكلاء، الذين هُيِّئ لهم أنهم يفعلون ذلك لأجل مصالح أوطانهم، لكن أمريكا التي تبدع في الاستثمار في الخراب تستطيع إيجاد منصة رابحة في حالتي فوز أو هزيمة هؤلاء الوكلاء.
أحد عقلاء الغرب وهو المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود أكد في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا» الإيطالية «أنّ هزيمة الولايات المتحدة في الصراع الأوكراني، ستؤدي إلى تفكك حلف شمال الأطلسي وتحرير أوروبا من القهر الأمريكي».
أوروبا «المقهورة» بحسب توصيف المؤرخ، لها محاولات متعددة للتخلص من الهيمنة الأمريكية، التي جاءت نتيجة الضعف الأوروبي الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية، ومن أشهر هذه المحاولات ما قام بها الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول عام 1966 بالانسحاب من الحلف الأطلسي، الحلف العسكري الذي تعوِّل عليه أمريكا كثيراً لإبقاء القارة العجوز تحت سيطرتها، فـ«ناتو» في أوروبا هو الذي يربط بين ضفتي الأطلسي، ومن المحاولات تلك، سحب اليونان وحداتها العسكرية من قوات «ناتو»، وغيرهما من المحاولات، لكنها محاولات فردية وغير ناضجة حيث كانت تفشل بسبب قوة النفوذ والأدوات الأمريكية في القارة.
تحرير أوروبا من النفوذ الأمريكي، يبدأ من حيث انتهت له المكيدة الأمريكية، في إغراق أوروبا بالصراعات، من جبهة أوكرانيا التي لولا تدخلات واشنطن لما وصلت إلى ما وصلت إليه، من دفع روسيا للدفاع عن مصالحها بعملية خاصة، بعد أن دفعت واشنطن كييف لسنوات لأجل تهديد الأمن القومي الروسي، حيث إن هذه الجبهة ستحدد مستقبل أوروبا ومستقبل أمريكا في القارة، فهذا ما أكده المؤرخ تود بقوله: «نتيجة هذا الصراع سيتقرر مصير أوروبا.. إذا هُزمت الولايات المتحدة، سيتفكك حلف شمال الأطلسي وستصبح أوروبا حرة»، وحيث يتفكك الحلف العسكري الذي يجمع بين ضفتي الأطلسي، ستنتهي أسباب التصعيد وتتلاشى دوافع الصراع في القارة والتي تجمعها مع روسيا أسباب التعايش السلمي.
أكثر ما تريده أمريكا من أوروبا هو جعلها سوقاً لتصدير منتجاتها، وخاصة غازها الثمين مقابل الغاز الروسي الرخيص، وأداة سياسية لتنفيذ مهام مختلفة في العالم، ولذلك ترى واشنطن أنه لابدّ من إبقاء أوروبا تحت الوصاية، ولا يتم ذلك إلّا بإيجاد صراع ما يشغل أوروبا ويشعرها بالحاجة إلى دعم أمريكا، وهذا ما كان بفتح جبهة في شرق أوروبا مع روسيا، وبرأي المؤرخ الفرنسي، فقد «استغلت أمريكا الصراع في أوكرانيا لتقويض مشروع «التيار الشمالي» خطي نقل الغاز الروسي لإجبار ألمانيا على الابتعاد عن روسيا».
وبالعكس فإنّ التقارب الروسي- الأوروبي، سيضعف الهيمنة الأمريكية ، وقد ترى أوروبا بذلك نافذة للخلاص من هذا الوضع الهش للقارة.
تصريح المؤرخ الفرنسي، هو كلام في العمق يعبّر عن الرغبة في الخلاص من الهيمنة الأمريكية، على أقله على المستوى النخبوي الغربي، حينما يستطيع الكلام.