بزّاااف
تشرين- ادريس هاني:
استباحة الحقيقة في الحرب، تقليد لا يقلّ عن حرب الإبادة وجرائم الحرب، لنتحدّث إذن عن جريمة حرب على الحقيقة. هناك حدود للخداع في الحرب، أمّا استباحة الحقيقة مطلقا هو جريمة ضدّ ماهية الإنسان بوصفه عاقلا معنيّا بالحقيقة.
استعمال الزيف كمعطى، والمغالطة كطريقة في إدارة الزيف، خرق سافر للمعنى والمفهوم. لكن ماذا إذا كان زمن المتاجرة بالحقيقة، يقتضي إنعاش دور التّفاهة وتمكينها من مزاعمها وادعاءاتها؟
التّوحّش القادم، تدهور النزعة الإنسانية، صعود نجم العدوانية التي اكتسبت لها صفة الفكر والثقافة والتنوير، العبث بما تبقّى من قابلية للتفاعل مع الحقيقة، تسليط مسوخ البشرية على عظمائها، عبيدها على أحرارها، استراتيجيا منهجية لتسهيل الهيمنة على الدماغ البشري.
إنّ الكم الهائل من المغالطات التي تجوب البيداء العربية، لها هدف واحد: استنزاف الدماغ البشري بهذا العود الأبدي إلى المربع الأوّل للتّفاهة. فحراس المغالطة من فصيلة الخنزب، وهو شويطن صغير موكّل في السردية الفقهية بإفساد الصلاة، هم في هذا التكرار السطحي، ولكنه أيضا العدواني، متهافتون، ولكنهم يستهدفون بخطابهم الشعبوي المليء بالجهل والتناقضات، الفئة الأضعف، مستغلين معدّل الأمية لتمرير خطاب يتساقط بين الفينة والأخرى أمام مكر التّاريخ.
إنّ الخطاب النّازي المُعار اليوم، لا حدود له، فهو يخرق تجاوييف الذهن، ويحاسب الخيال، ويتسكّع في أروقة ما لم يُلق في البال، يتصيد ما هو ممكن ومستحيل التفكير فيه، إنّهم يستبيحون الظاهر والباطن من المعنى، وتلك وظيفتهم.
يحتاج هذا النوع من الخطاب أن يختبئ في شعارات كثيرة، وما أكثرها، في الوطنية والعقلانية والاعتدال وهلم جرّا، ولكنه يتنكر لها جميعا، لأنّ ولاءه هو للزيف والوظيفة المشبوهة والعمالة، إنّ حقل المعرفة والثقافة والفكر بات مساحة حيوية لتضليلات الإمبريالية والرجعية وعبيدها. تكثيف الخطاب الزّائف ولعبة التكرار البيداغوجي للمغالطة كي تتمكن من خرق الأذهان، كلّ هذا، يدخل في سياق التآمر على الدّماغ البشري.