«المواعدة الإلكترونية» خيارات صامتة للبحث عن شريك في واقع افتراضي من الزيف المفرط
تشرين – إلهام عثمان:
واقع مؤلم جديد، يقبع خلف الواجهات الإلكترونية اللامعة، فبينما تهيمن تقنيات الاتصال على جميع جوانب وجودنا، تبدو رحلة البحث عن شريك الحياة قد انتقلت إلى فضاء رقمي محير، إذ يتصور كثيرون أن هذه المنصات تعكس الفرص الوفيرة للعثور على الحب الحقيقي بهدف الزواج، إلا أن الواقع يكشف عن ظاهرة مخيفة، أولها عدم التوافق، وأهمها انتشار “ثقافة الكذب” بين المستخدمين و(خاصة عروض الزواج)، فبينما يسعى البعض لتلبية احتياجات عاطفية عابرة، هناك القلة الذين يبحثون عن علاقة حقيقية، هذه الديناميكية تثير تساؤلات مهمة، حول قيمة العلاقات المبنية على الأسس الوهمية والهشة، وتلقي الضوء على تحديات جيل كامل بائس في سعيه لإيجاد مبتغاه والالتزام والزواج، فما الذي يشرح هذا التباين الفاضح بين التوقعات المتناقضة وبين ما يتم عرضه على هذه المنصات؟
مراوغة
(ت.غ) تقول: تعرفت على أحد الشبان عبر إحدى صفحات الفيسبوك، وكونه يعيش في دولة أوروبية ولم يحصل على الجنسية، قام بإرسال أحد أقاربه وتم عقد القران بيننا، وبعد عام قام بإرسال دعوة لي لنتزوج في مصر، بحجة عدم حصوله على الجنسية، وبعد زواجنا بشهر عاد كل منا أدراجه، ثم بعد فترة وجيزة، قام بإرسال رسالة مفادها بأنه لا يستطيع إتمام أوراق لم الشمل لظروف قاهرة، وترك الخيار مفتوحاً لعلاقتنا، إما الانتظار لسنوات، وإما أن أوكل محامياً من طرفي لإجراء معاملة الطلاق، وطبعاً.. الخيار الثاني هو الأصح بسبب مراوغته، ما جعلني أخضع للعلاج النفسي لمدة ٨ أشهر بسبب الصدمة.
زواج للهجرة
أما ربيع وهو اسم مستعار لشاب في بداية الأربعينيات من عمره، بين أنه، وحسب محيطه، الكثير من أصدقائه قاموا بلم الشمل، لكن بعد وصولهم للمطار كانت تقوم الخطيبة بتركهم والذهاب لشخص آخر، ليكتشف الزوج أو الخطيب أنه كان مجرد سلم للوصول لشخص آخر أو البلد المهاجر إليه، ما جعل معظم الشبان يفضلون الزواج من البلد التي يقطنون فيها، اختصاراً للتكاليف والجهد والكذب.. حسب قوله.
فيما أفادت م.خ شابة في مقتبل العمر أنها رغم مئات العروض الموجودة على الفضاء الأزرق والتي تبدو في مظهرها الخارجي جذابة، إلا أنها بعد التواصل، تجد أن معظم هؤلاء الشبان نشروا “البوستات” بهدف التسلية و”طق الحنك” وليس الارتباط.
وتضيف: لجأت لتلك الصفحات لعلّي أجد الشريك المناسب بعد انتظار طويل وخيبات أمل على أرض الواقع، لعلّي أجد فرصتي إلا أن الكذب كان هو المتداول وليس الحقيقة.
حالة أخيرة من واقع العالم الرقمي، (س. ق) في العقد الثالث من عمرها وتعمل ممرضة، عبرت عن شعورها بالإحباط الشديد بعد بحثها لأشهر طويلة عبر تطبيقات التعارف، وبعد فقدان الأمل من العثور على شريك حقيقي بسبب قلة وهجرة الشباب السوري، وجدت نفسها محاطة بأشخاص لا يسعون سوى لعلاقات عابرة عبر وعودهم الكاذبة بالزواج، ما جعلها تسلم بأن معظم المشاركين في هذه الصفحات لا يطمحون لشيء أكبر من البحث عن “ملء فراغ سببته الهجرة والبعد الاجتماعي”.
مرارة الحياة الرقمية
الدكتور علي السرحان اختصاصي في الإرشاد النفسي أوضح لـ”تشرين”، أنه في خضم التطبيقات والمواقع التي تسهل التعرف على “شركاء محتملين”، ضمن إمكانيات لا حدود لها، سرعان ما تفضح التجربة الحية حقيقة مريرة، حيث كشفت الدراسات أن حوالي 80% من العلاقات التي تبدأ عبر الإنترنت تنتهي بالفشل، ولا يعود ذلك فقط إلى عدم التوافق أو الاختلافات الثقافية، بل يكمن في كذب ومراوغة بعض الشبان والشابات، الذين يركضون خلف صورة مثالية وغير واقعية عن أنفسهم، مؤكداً أن “الكذب المتبادل” يوجد بيئة تنعدم فيها الثقة، حيث تكثر العلاقات السطحية والتسلية على حساب الروابط الحقيقية، فبينما يسعى البعض لملء فراغ عاطفي، يتواجد عدد قليل ممن يبحثون فعلاً عن علاقات تحمل قيمة وصدقاً، وهذا ما يجسد بشكل مؤلم حالتين مختلفتين: الأولى تبحث عن الإشباع العابر، بينما الثانية تطمح لبناء علاقة حقيقية ومتينة مكللة بالزواج.
80% من العلاقات التي تبدأ عبر الإنترنت تنتهي بالفشل بسبب كذب بعض الشبان والشابات، الذين يركضون خلف صورة مثالية وغير واقعية عن أنفسهم
التوجهات والمظاهر المضللة
هذا و أكد السرحان أن “الشباب والفتيات غالباً ما يغررون بصورة المجتمع الافتراضي، وينظرون للعالم الافتراضي بمنظار هلامي، معتقدين أنهم سيتحولون إلى أبطال قصص حب سريعة، لكن الأمر ليس كذلك؛ فالوهم الذي تخلفه هذه المنصات يعمق مشاعر الشك والقلق والارتباك، ويجعل هؤلاء الأفراد يشعرون بأنهم غير جذابين وغير مستحقين للحب، ما يجعلهم يشعرون بالوحدة والاكتئاب.
في هذا السياق، تثير التساؤلات حول مدى جدوى العلاقات التي تبنى على أكاذيب بسيطة، فإن كان الكذب قد أصبح جزءاً من عمليات التعارف، فما هي القيمة الحقيقية لهذه العلاقات؟ وهل يمكن اعتبارها علاقات أصلاً، أم مجرد تسلية يمكن التخلص منها في أي لحظة بضغط “DELET”.
إشباع عاطفي مؤقت
من هنا يشدد السرحان أن مواقع التعارف تبقى حلاً سطحياً لمشكلة اجتماعية كبيرة و عميقة ومعقدة على المستوى الإقليمي وليس المحلي فقط ولابد من النظر فيها، إذ إن العنوسة لا تعود ببساطة لطرق اختيار الشريك، بل نتيجة لشبكة معقدة من الأكاذيب، حول وضع الشريك الاجتماعي والمادي وحتى الثقافي والذي في أغلب الأحيان لا يكون حقيقياً، وما يلجأ إليه من مظاهر خادعة التي يظهرها حسب رغبته هو، لجذب الجنس الآخر.. وما بين الحاجة الملحة” للإشباع العاطفي المؤقت”، وغيره – هناك من يسعى بين زحام الصور والرسائل الإلكترونية إلى تكوين علاقة ذات معنى، ليبقى الأمل قابعاً في قلة من الأشخاص الذين يعتنون بالشغف الحقيقي والسعي للاستقرار في العلاقات وفق رأيه.
هناك من يبحث عن الإشباع العابر وآخر يطمح لعلاقة حقيقية ومتينة مكللة بالزواج
إعادة نظر
هذا و بين السرحان أن المشكلة تكمن في التفكير، حول كيفية البحث عن شريك الحياة والارتباط قد يحتاج إلى إعادة نظر، فبدلاً من التركيز من قبل “الشبان” على الأسماء والملفات الشخصية، لاسيما أنهم هم أصحاب القرار في الاختيار والحلقة الأقوى، لذا ينبغي التفكير في اختيار شخص على أسس سليمة وواضحة، من خلال تعزيز العلاقات الاجتماعية التقليدية، والنشاطات والحياة اليومية، هي الأماكن التي تعيد الأمل للفرد وتحقق التواصل الفعلي على أن تبنى على ” أسس صحيحة”، لافتاً إلى أن الفضاء الرقمي يمنحنا أيضاً فرصاً إضافية، لكن.. إن كان هدفنا نبيلاً.
علاوة على ذلك، وحسب رأيه يمكن تقديم فكرة “تنمية الذات أولاً” كاستراتيجية جديدة يتبناها الأفراد، حيث يركزون على الهدف من العلاقة مع رسم حدود حقيقية لها، مرتكزين في التعامل مع الجنس الآخر على الشفافية، قبل البحث عن علاقة، بهذه الطريقة، ستصبح العلاقات التي يتم بناؤها أكثر صحة وقوة.
مواقع التعارف تبقى حلاً سطحياً لمشكلة اجتماعية عميقة ومعقدة على المستوى الإقليمي وليس المحلي فقط
واقع لا يمكننا تجاهله
وختم السرحان بأنه ينبغي أن نتوقف عن تزييف الحقائق والبحث عن الشخصيات المناسبة في فضاءات افتراضية، بعد فرض واقع لا يمكننا تجاهله وهو تدني عدد الشباب نتيجة الظروف التي مرت بها سورية من ويلات الحرب، ما أدى لقلة فرص الزواج على أرض الواقع والهروب للعالم الأزرق ليكون الحل البديل، فالحب لا يبنى على الأكاذيب، بل على الصدق والتواصل الحقيقي، وفي عالم يمتلئ بالمظاهر، قد يكون من الضروري العودة إلى الجذور، حيث العلاقات الحقيقية تتطلب الشجاعة والصدق، بعيداً عن مجرد كونها تسلية عابرة ومؤقتة.