الإبادة كفُرجة… تفاوض من دون أفق
تشرين- إدريس هاني:
دخلت المنطقة في دورة التكرار، أي الجمود، روتين المفاوضات معروفة النتائج مسبقاً، ربح الوقت، منح فرصة للاحتلال لاستراحة على بركة الدّم الفلسطيني. فشل الاحتلال في تحقيق هدف عسكري حاسم كما كان يتوقّع، انتهت مغامراته بكسر قواعد الرّدع، قليل من القات وصاروخ محمول على الكتف، يكفيان لخرق القبة الحديدية آناء الليل وأطراف النّهار، انتهت أسطورة الرّدع.
الاحتلال لا يصل إلى المقاتلين، ولكنه يصل إلى المدنيين، ما القيمة المضافة لأي حلّ بينما الإبادة تحوّلت إلى ورقة.
لا حلّ للاحتلال، طالما هو يريد أن يستمر كاحتلال، الجمود الذي أحاط بهذه القضية أنتج هلاوس حول السلم والحرب، لأنّنا حشرنا القانون الدّولي في الزّاوية وأطلقنا العنان للاستثناء، مهما تقلصت الجغرافيا السياسية للاستثناء، سينتهي بتقويض مصداقية القانون الدّولي، إنّ العالم لا يفعل اليوم سوى أن يشهد على مقدّمات اندحاره، منذ أن تجاهل مسؤوليته الكاملة تجاه ما يجري في المنطقة.
نجح الاحتلال في تحويل الأنظار لإيران باعتبارها تشكل تهديداً لاستقرار المنطقة وللسلام العالمي، كان الاحتلال قد خرق السلام العالمي قبل الثورة الإيرانية، لن يفيد كل هذا الانقلاب في الرؤية، لأنّ من هزمهم الكيان لا يمكن أن يردوا طهران عن متابعة برنامجها، هي أيضاً تخشى على حدودها ومن التهديد الغربي، لا هذه سترد طهران ولا تلك ستجعل الاحتلال صديقاً، لمّا يصبح التعقيد سلاطة مبسّطة، نصبح خارج الكون الجيوستراتيجي، مهرولين نتأبّط قبقاب الهزيمة.
تنقل بعض الوسائط حديثاً حول تورط منظمة “خلق” باتفاق مع الفرنسيين في اغتيال هنية، هذا التكهن لا يحتاج إلى كثير نظر، فلقد كان أوّل شيء التفت إليه بعد وقوع الحادث فوراً، فيما يتعلق بالدّاخل، هناك خلايا نائمة تعمل مباشرة مع الاحتلال، ولا تحتاج لفرنسا، حكاية الطابور الخامس يوجد في كلّ هذه الجغرافيا الممتدة فوق الجحيم.
الإبادة ورقة في يد الاحتلال، والرّد ورقة في يد طهران، المفاوضات تعزف على الوتر القديم، النتن في وضعية هي الأسوأ في تاريخ قادة الاحتلال، تفكّك داخلي، احتجاجات الحريديم ضدّ التجنيد، احتجاجات عوائل الأسرى، سيهرب إلى الأمام، لكن الرّد بات محسوماً وهو معلّق على نتائج المفاوضات، لا شيء يضغط أكثر من الرّد، وهكذا تكون طهران قد شكّلت ورقة للوساطة العربية في موضوع وقف الحرب.
مشكلة الاحتلال هي كيف سيتأقلم مع قواعد الرّدع الجديدة؟ ما هو معدل ثقة شعب الكيان في حكومته، ما هو منسوب الثقة في المصير؟ إنّ وقف الحرب لا يعني الحلّ الشّامل، فماذا بعد؟
إنّ الغرب الذي خيّب آمال الأمم، وأظهر سياسياً كم هو عاجز عن التّحرّر من نزعته العنصرية، سيدفع ضريبة ذلك من مصير مجهول سيفقد فيه قوة الجذب التقليدية، سينقلب عليه الاستثناء.