«ملف تشرين».. «الأطلسي» يواصل مسار الخروج من أطلسيته باتجاه آسيا.. الموارد الاقتصادية هدف مركزي

تشرين- أ. د. حيان أحمد سلمان:
تأسس حلف الشمال الأطلسي سنة 1949، أي بعد الحرب العالمية الثانية، ووقع على اتفاقية الحلف 12 دولة وهي (الولايات المتحدة الأمريكية – المملكة المتحدة- بلجيكا- كندا- الدنمارك- فرنسا- أيسلندا- إيطاليا- لوكسمبورغ- هولندا- النرويج- البرتغال)، واتخذ الحلف اسمه من أوائل حروف الكلمات التالية باللغة الإنكليزية (North Atlantic Treaty Organization)‏، ولكن الحلف استمر في التوسع حتى آصبح الآن في سنة 2024 يضم 32 دولة، ويستعد لضم دول أخرى في مقدمتها أوكرانيا، كما يعد هذه الأخيرة.
وبالتالي لم يعد الحلف الأطلسي أطلسياً، والسؤال: لماذا تسعى قيادة «ناتو» للتوسع، ولماذا التوجه لضم الدول التي كانت أعضاء في الحلف السابق المناقض، وهو حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق والذي كان مقره في العاصمة البولونية وارسو، وكان قد تأسس سنة 1955 من دول«(الاتحاد السوفييتي السابق- ألمانيا الشرقية- بولندا- المجر- رومانيا- بلغاريا- تشيكوسلوفاكيا- ألبانيا التي انسحبت لاحقاً سنة 1968».
الآن بولندا «بولونيا سابقاً» ودول الأخرى أصبحت أعضاء في حلف «ناتو» والباب مفتوح، والحلف يعزز عقيدته العسكرية التي تأسس عليها بدليل المادة الخامسة التي تمّ التوقيع عليها في واشنطن ونصّها «أي هجوم مسلح على عضو واحد أو أكثر سيعدّ هجوماً يستهدف جميع الأعضاء، وسيتخذ كل عضو الإجراء الذي يراه ضرورياً، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، من أجل إعادة إرساء الأمن وضمانه في منطقة شمال الأطلسي».

وتيرة النمو الاقتصادي لدول شرق آسيا والمحيط الهادئ هي الأسرع على مستوى العالم.. الاقتصاد الآسيوي يشكل 49% من الاقتصاد العالمي

وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي السابق، ينس ستولتنبرغ، دعا إلى زيادة الموازنة العسكرية للحلف بنسبة 18% مع دعوة أوكرانيا للانضمام، وصرّحت القيادة الروسية كما الصينية بأن هذا تجاوز لكل الخطوط الحمراء، وبأنه سيؤجج سباق التسلح العالمي وخاصة النووي، ورغم الجهود التي بذلتها كلٌّ من روسيا والصين وغيرهما من الدول لتقليل التوتر العالمي الناجم عن تمدد «ناتو» وخاصة في آسيا والمحيطين الهندي والهادي، إلّا أنّ حلف «ناتو» مستمر في تمدده لمحاصرة الدول التي تقف ضد الإرادة الآمريكية وخاصة روسيا والصين، ويكمن وراء هذا عدة عوامل، ومن أهمها نذكر الرغبة الناتوية في استمرار السيطرة على العالم ودوام حالة القطبية الأحادية الأطلسية ومنع تقدم الدول الآسيوية التي تعدّ من أهم مراكز النمو الاقتصادي العالمي، حيث تؤكد الدراسات أنّه بحدود 50% من معدل النمو العالمي مصدره الاقتصاديات الآسيوية الناشئة.
ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي بأن «وتيرة النمو الاقتصادي لدول شرق آسيا والمحيط الهادئ هي الأسرع على مستوى العالم» وسيتجاوز معدل النمو 4،5% وستكون آسيا هي أكبر مساهم في النمو الاقتصادي العالمي، ويشكل الاقتصاد الآسيوي 49% من الاقتصاد العالمي».
وحسب المنتدى الآسيوي لسنة 2024 فإنه «رغم التحدّيات الاقتصادية الخارجية المتعدّدة سيحافظ الاقتصاد الآسيوي على معدل نموّ مرتفع نسبياً، مدعوماً باستهلاك قوي نسبياً وسياسات مالية استباقية» .
وتقود الصين هذا التطور الاقتصادي، وبالتالي تشعر أمريكا بالقلق والتوتر من هذا التقدم ومن ظهور قوى اقتصادية جديدة على الساحة العالمية، وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية للعمل على توسيع الحلف الأطلسي، وتحديداً منذ سنة 1999، وخاصة في منطقة آسيا والمحيطين الهندي والهادي، ويتجسد هذا في محاولة استنزاف المنافسين الصين وروسيا والعمل للعودة إلى «الحرب الباردة بل والساخنة أحياناً» ولاسيما في ظل التوجه الأمريكي لمنع توحيد تايوان مع الصين، ودعم العصابة الفاشية في أوكرانيا بقيادة فلوديمير زيلنسكي بعد عودة جزيرة القرم إلى روسيا سنة 2014، وتوسع دور روسيا والصين على الساحة العالمية بتعاونهما الثنائي وضمن المنظمات الدولية مثل بريكس وشنغهاي وغيرها.

استمرار الناتو في التمدد- في سياق طبيعة عسكرية استعمارية- سيفاقم التوترات العالمية ولكن ليس بالضرورة أن تكون النتائج لمصلحة أميركا

ولكن كان موقف دول «ناتو» استفزازياً بدعوتها للوقوف ضد الصين وروسيا وتعاونهما، فحسب البيان الختامي لقمة الـ«ناتو» الأخيرة التي انعقدت في واشنطن في تموز الماضي فإن «الصين تحولت إلى محور للتحالف العسكري وإلى داعم عسكري كبير للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية؟!».

هذا البيان كما وصفه كثير من المحللين الغربيين سيطرت عليه عقلية الحرب الباردة واللغة العدائية، والمحتوى المتعلق بالصين مليء بالاستفزازات والأكاذيب والتحريض والتشهير، حيث يسعى «ناتو» عملياً لتكريس جهوده لتوتير الأجواء العالمية بدليل أنه لأول مرة حضر مراقبون دوليون من الحلف التدريبات العسكرية الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادي وشاركوا بالتدريبات العسكرية وأرسلوا سفناً إلى بحر الصين الجنوبي وسط تصاعد التوترات بين الصين وجيرانها، ويترافق ذلك مع إرهاب اقتصادي على كل دول العالم التي لا تخضع للإرادة الامريكية مثل الصين وروسيا وكلّ من يتعاون معهما مثل سورية وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية…الخ.
انطلاقاً مما ذكر أعلاه، فإنّ توسع حلف «ناتو» وخاصة نحو القارة الآسيوية سيؤدي إلى زيادة التوتر العالمي وعدم الاستقرار في آسيا ومنطقة المحيط الهادي والهندي وغيرها، وزيادة المشاكل العالمية وتراجع انسياب السلع والخدمات وسلاسل التوريد ومشاكل المناخ والتسابق في التصنيع العسكري على حساب التنمية العالمية، وأن المشاكل المستقبلية ستزداد بمقدار توسع الحلف الأطلسي ذي الطبيعة العسكرية الاستعمارية، وهذا ما ستؤكده الأيام القادمة وخاصة في ظل توازن «الرعب النووي» وأن قوى آسيوية جديدة تترك بصمتها على الساحة العالمية، وأن أمريكا لم تعد قدراً، والإرادة الأمريكية لم تعد البوصلة التي يعمل وفقها المجتمع البشري.

أقرأ أيضاً:

«ملف تشرين».. هل تكون أوكرانيا آخر حروب الـ«ناتو»؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
بالتعاون مع منظمة الفاو و«wfp».. الزراعة تبدأ مشروعاً متكاملاً للتخلص من زهرة النيل وآثارها السلبية تحذير من خطر إدمان الملايين على مسكنات الألم المزارعون يفقدون ثقتهم بالمبيدات المطروحة في الصيدليات الزراعية.. ومدير زراعة حماة يؤكد وجود مخالفات وإحالة بعضها للقضاء أصولاً موسم سياحي لافت في اللاذقية.. وإقبال من الدول العربية المجاورة من إعلام العدو.. هآرتس»: إهمال نتنياهو لموضوع الأسرى الإسرائيليين هدفه خدمة ‏الهدف الحقيقي لحربه.. احتلال غزة «ملف تشرين».. «ناتو+» من الشرق الأوسط إلى الشرق الآسيوي.. آخر معارك واشنطن تستدعي التضحية بالأوروبيين والإعداد لمراسم دفن لائقة لحلف شمال الأطلسي «ملف تشرين».. أميركا أم الأوروبيون.. أيهما يدفع الـ«ناتو» باتجاه الانهيار؟.. فرنسا تاريخياً مثال حيٌّ لجرأة الانسحاب لكنه لن يتكرر.. أوروبا مجبرة على متابعة الطريق حتى نهايته «ملف تشرين».. «الأطلسي» يواصل مسار الخروج من أطلسيته باتجاه آسيا.. الموارد الاقتصادية هدف مركزي «ملف تشرين».. هل تكون أوكرانيا آخر حروب الـ«ناتو»؟ «ملف تشرين».. الصين تقلب طاولة الـ«ناتو».. أميركا لن تتردد في حلّ الحلف