يرى أنه من حق الجيل الجديد أن نؤمن به ونفسح له المجال الفنان بسام كوسا لـ”تشرين”: أنا من يذهب إلى الدور وأكون خادماً له بكليتي بينما هناك من يربط الدور بحبل ويجره إليه
تشرين- حوار: حلا خير بك:
الحوار الصحفي مادة طويلة العمر، وقد أجرينا هذا الحوار مع الفنان بسام كوسا منذ عدة سنوات، لكن للأسف لم يتسنَ لنا نشره آنذاك، ولم يكن من السهل الحصول على وقت وفرصة جيدة لإجراء هذا الحوار، حيث حدد لي الفنان بسام موعداً للقاء بعد شهر، حيث التقيته في البداية في “لوكيشن” أحد مسلسلاته للتعارف، وبعدها تمّ اللقاء لإجراء هذا الحوار في (كافيه أوتيل الشام)، وفي المرتين اللتين قابلته فيهما أصبت بالدهشة؛ في (اللوكيشن) من احترامه الشديد لعمله وتعامله المتواضع مع الموجودين من فريق العمل، واستعداده التام لأداء مشاهده وشغفه، حيث يظهر بشكل واضح استمتاعه بأداء شخصيته، فتجده قبل بداية المشهد بلحظة يتحوّل تماماً كما لو بكبسة زر ليلبس الشخصية، حتى لتظن أنك لم تعرفه! أما في لقائنا الثاني، فكانت هناك ابتسامة حاضرة دائماً في عينيه، وجاهز لأي سؤال طرحته، بل يستفيض بالحديث، ومن خلال هذا الحوار سنلاحظ بعد نظره وفهمه للأمور التي تخص مهنته بشكلٍ كامل، وباختصار وبغض النظر عن أن بسام كوسا ورقة رابحة دائماً في أي عمل درامي، ومعه دائماً ستصطدم بشخصية فريدة، بسبب خياراته وأدائه الرائع ودراسته للشخصية، فمن خلال لقائنا معه عرفنا سبب بريقه، وهو كونه يستمتع بأداء أي شخصية يختارها أو تختاره، إنه يمثل ليستمتع بالدرجة الأولى!
يجب أن نتعامل مع الدور باحترام مهما كان حجمه ومكانه في العمل
بعد عدد كبير من الحوارات الفنية التي أجريتها مع فنانينا السوريين، انتابني شعورٌ خاص منذ اللحظة الأولى التي قابلت فيها فناننا الكبير بسام كوسا، وبدون مبالغة يُخيّل لمن يحاوره بأن الدراما بكليتها قابعة أمامه، فمن تواضعه الشديد وخفة دمه الحاضرة دائماً سواء أثناء حوارنا أو في اللوكيشن أمام الكامير تصل إلينا ببساطة رسالته التي عمل عليها في الدراما عبر أدوار كثيرة لكلٍّ منها خصوصيته التي من الصعب أن يصل إليها أي كان.. لاسيما بحرصه الشديد على دوره وبتعامله معه باحترام كبير حتى الآن، وعلى العمل الفني الذي يشارك فيه ككل في سبيل أن يعكس صورة حقيقية لمشاهده من واقع مجتمعنا وحياتنا اليومية كمشروع فني بسيط ومتواضع اختاره لنفسه بعيداً عن أي تكبّر ومشاريع شخصية..
الدراما السورية
* تُحافظ باستمرار على حضور قوي في الدراما الاجتماعية من خلال شخصيات متنوعة ومتباعدة، برأيك إلى أي حد مازال يحمل العمل الدرامي قيمة فنية وثقافية وكم يعكس الواقع الاجتماعي الحقيقي؟
على مستوى غزارة الإنتاج التلفزيوني بشكلٍ عام، أثبت المسلسل السوري تحديداً ملامسته للواقع بنسبة كبيرة وعرضه لهموم الشارع السوري بمعظم أطيافه، وقد تنقص في مكان وتزيد في آخر، إلا أنها السمة الأساسية لمسلسلنا، والتي تعد أهم إيجابيات الدراما السورية، أما سوية العمل الفني، فمرهونة بمستوى العاملين فيه، وقد تتفاوت بين الممتاز والضعيف، وهو ما يجعل بعض الأعمال تحقق حضوراً قوياً جداً مقارنةً بغيرها، أتمنى أن ترقى جميع مسلسلاتنا إلى سوية ممتازة لكن أعتقد أنه أمر رومانسي قليلاً وخيالي.
أي عمل قوي وناجح ومتين لا بد أن يخطط له مسبقاً وهذا ما نفتقده في عملنا حيث ننتج مسلسلاتنا عاماً بعام
* رفدت الدراما السورية في السنوات الأخيرة بعدد لابأس به من المخرجين الشباب غير الأكاديميين، هل سيتمكن هذا الجيل من صنع ذاكرة تلفزيونية وإثبات وجهة نظر ما؟
برأيي هذا الموضوع له علاقة بالحياة، ومن حق هذا الجيل أن نؤمن به ونفسح له المجال، ولا يمكننا إنكار ما أثبته عدد من مخرجينا الشباب من قدرة على إدارة الأعمال الجيدة، طبعاً وبنفس الوقت لم يثبت القسم الآخر شيئاً، لذلك أشعر بأن هذا الجيل من مخرجينا بحاجةٍ ماسة إلى البعثات التي كانت توفدها بعض الهيئات في الدولة إلى الخارج للاختصاص والدراسة، ليعودوا منها مخرجين أكاديميين موهوبين وأصحاب خبرة ولديهم قاعدة علمية ليتكئوا عليها، ويحمّلوا نتاجهم وجهة النظر والتي قد تغيب مستقبلاً عن معظم أعمالنا، هكذا نسلم عصا القيادة لجيل آخر بسلسلة من التطور في عملنا، فكلّ جيل يأخذ خبرةً من سابقه ويعبّر عن نفسه بدوره.
جيل الوسط
* تنتمي لجيل مؤسس، ولك باعٌ طويل في المهنة يمكنك من تحديد ما ينقص الممثل السوري حالياً؟
على صعيد التعامل مع المهنة جميعنا ينقصنا، أنا مثلاً اعتبر من الجيل الوسط بين القديم والجديد، لذلك بإمكاني أن أرى قسماً كبيراً من أبناء جيلنا غير متصالح مع الزمن بعد، ويُحاول أن يبقى ضمن إطار الشباب، بينما من المفترض أن يتراجع خطوة للخلف ويفسح المجال للجيل القادم، وما يجري غير مسؤول عنه مخرج ومنتج فقط، إنما هي حماقة وجريمة مشتركة، أيضاً الجيل الجديد خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، والذي يحمل ما لا يقل عن سبعين في المئة من عبء المسلسل الدرامي وبأسلوب عملٍ متطور، ولائق ولديه مشاكل بالرغم من قوته، لأنه متجاهل للجانب المعرفي ومكتف بموهبة شهرة وجمال، بينما مهنتنا معرفية بالدرجة الأولى وتحتاج لدعم الموهبة بالبحث والشك، حيث نلاحظ أن معظم شبابنا واثق من كلّ ما يقدمه، هذه مرحلة طبيعية يمر بها ممارس أي عمل ونسميها “المراهقة المهنية” فالخريج الجديد في بداياته، يشعر بأنه مالك للدنيا، ويستعجل لأنّ كلّ الظروف حوله تساعده أيضاً على عدم التفكير، فبلمحة بصر تتغير أحواله لينتقل من غرفة مستأجرة و”خرجية” يأخذها من الأهل إلى سفر وشهرة وسيارات ومعجبين، فيدخل هذه المرحلة التي قد تطول مدتها عند البعض لسنوات، المراهقة المهنية تفقد شبابنا البوصلة، فيضيع قبل أن يدرك أصول وشروط المهنة، فيستسهل ليقع في فخ وقع فيه كثيرون من قبله، واستفاقوا إلى أنهم ليسوا الوحيدين، بل هناك من يجتهد ويعمل.. مهنة التمثيل نبيلة لأنها مرتبطة بالناس والشارع وعلى الممثل أن يكون مسؤولاً تجاهها، لأنه يدخل بيوت الناس، أنا من جهتي لا أوجه نصيحة، ولا أضع نفسي بموقع الحكيم، لكن أقدّم وجهة نظر أمام ممثل يهمني أمره وأعجب به، لكن حتى وجهة النظر هذه أدرسها جيداً قبل أن أطلقها، ومن ليس لديه إمكانية لقبولها فهي مشكلته، وبحكم عملنا كممثلين ضمن مجموعة يمكننا أن نوجه رسائل للآخرين ممن يعملون معنا من خلال سلوكنا وأسلوبنا وعلاقتنا مع المهنة، ومن يهمّه أن يرى سيدرك ما عليه فعله…
التمثيل مهنة نبيلة لأنها مرتبطة بالناس والشارع وعلى الممثل أن يكون مسؤولاً تجاهها لأنه يدخل بيوت الناس
* يجري الحديث في الوسط الفني حول مشاكل عديدة تواجه الدراما السورية مؤخراً، بم توصف هذه المشاكل من وجهة نظرك؟
عيوب الدراما لدينا ليست بالبسيطة، لأنها تتضمن أبعاداً استراتيجية، أي عمل ناجح وقوي ومتين، لا بدّ أن يخطط له مسبقاً، وهذا ما نفتقده في عملنا حيث ننتج مسلسلاتنا عاماً بعام، ونجد أن مواضيعنا أصبحت متشابهة ومكررة، هذا التخطيط يحتاج لتنسيق بين القطاعين، العام والخاص لنقرر مشاكلنا وأولوياتنا، ونستكتب حسبما تفرضه المرحلة، ما يمس حياة مجتمعنا ومشاهدنا.
تحكّم المحطات المنتجة
* إذاً وجود جهة منظمة للدراما ضروري والتي من الطبيعي أن يديرها القطاع العام؟
معظم إنتاجنا الدرامي يخضع لتحكم المحطات المنتجة له بشروط العرض، فتبرز أعمالاً أقل سوية كواجهة لإنتاج قد يكون أهم، فهل هذا يصب حقاً في مصلحة الدراما السورية تحت عنوان زيادة الكم الإنتاجي؟!!
سوية العمل الفني مرهونة بمستوى العاملين فيه
الحقيقة إن تهافت المحطات على إنتاج المسلسل السوري دليل على الجماهيرية التي يحظى بها، حيث من حق المحطة المنتجة تسويق العمل الذي تنتجه بالطريقة التي تراها مناسبة لتحظى بأكبر عدد من المشاهدين، ومن ثم المعلنين والمشاهدين لبرامجها، هذه هي العقلية التي تعمل بها المحطات والتي وجدت لنفسها المكان في عصر الفضائيات الذي تعيشه، كل هذا حق مشروع، وهو ما يجب أن تستفيد منه محطاتنا، سواء الخاصة أو العامة والتي من المفترض أن تكون منافسة بهذا المجال، وتنتج ما يقويها ويعزز وجودها بحيث يصبح لها حضور، نحن اليوم في عقد حديث بمجال الاتصالات مختلف عما سبق ويجب أن نقبله ونتعامل معه بجد وذكاء وندّية لأن رفضه يعتبر ضرب من ضروب الغباء..
* تتميز في عملك بالتنوع والتجدد في كلّ شخصية تقدمها حيث من الصعب المقاطعة بين شخصيتين في أدائك وانفعالاتك، كيف تتمكن من المحافظة على هذا المستوى في العمل؟
مهنتنا معرفية بالدرجة الأولى وتحتاج لدعم الموهبة بالبحث والشك بينما معظم شبابنا واثق مما يقدمه!
لأني أنا من يذهب للدور وأكون خادماً له بكليتي، بينما هناك من يربط الدور بحبل ويجره إليه حتى يصل مكسوراً ومفصلاً على قياسه، يجب أن نتعامل مع الدور باحترام مهما كان حجمه ومكانه في العمل ولا نتعالى عليه، والتعالي يبدأ من شعور الممثل بأن تمثيل شخصية معينة سهل ولا يتطلب منه مجهوداً، هذا التعالي يدفع ضريبته كثر ممن يمثلون دور الفلاح وأستاذ المدرسة والتاجر والمحامي بنفس القالب وهذه مشكلتهم.
ثمة مبالغة كبيرة
* بدأنا نسمع مؤخراً عن ارتفاع أجور بعض نجومنا السوريين لتفوق أجر المخرج، ولتوازي أحياناً تكاليف إنتاج نصف العمل الدرامي، فهل هذا موجود حقاً؟
** نعم أصبحت تتجاوز أجور بعض الممثلين أجر المخرج، وهذه حالة حديثة العهد لدينا في الدراما السورية، وسببها أن بعض المحطات المنتجة لأعمالنا تطالب بأسماء معينة، وهذا ما جعل أجور بعض الممثلين تدخل بورصة حقيقية، طبعاً هذا النظام الجديد يعتبر مغايراً تماماً للخط الذي مشينا عليه منذ بداياتنا في العمل السوري الجماعي الذي يتولى المخرج صياغته وتوليفه، وللأسف الشديد جميعنا كممثلين مسؤولين عن أي تغيير طرأ بسبب انصرافنا خلف مصالح شخصية دون أدنى تفكير بمصلحة العمل، ويؤسف حقاً ما تؤول إليه الأمور، لكن بالتأكيد لم يصل أجر النجم السوري لنصف ميزانية عمل، هذه مبالغة كبيرة ولا توجد هكذا مبالغ..