خبير يحسم الجدل ويطمئن السوريين.. الدكتور محمد رقية يكتب لـ«تشرين» عن «الزلازل ووهم المعرفة»
تشرين- د.م. محمد رقية:
إن من يتابع المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي اطلعت خلال الأيام الماضية على العديد منها، ومن خلال ما يصلني من الأصدقاء من كتابات منشورة، يشيب رأسه من كثرة الأخبار الملفّقة أو المبالغ فيها والتضخيم الإعلامي والتهويل في الأحداث.
ومن كثرة المتحدثين والمحللين والعارفين والدجالين وبينهم بعض المختصين مدعي المعرفة، وآخر هذه الإرهاصات وجود نشاط زلزالي غير معتاد في سورية سيبلغ ذروته في الأيام القادمة.
والأدهى من ذلك العناوين المثيرة والمخيفة التي تضعها هذه المواقع على “مانشيتات” أخبارها وهي فارغة المضمون، فبدلاً من طرح الأمور من باب الدراسة والاستفسار يطرحونه لإثارة الرعب وتخويف الناس ودب الذعر بينهم، لزيادة عدد المتابعين وجمع الإعجابات وبالتالي الأموال وهذا أمر يندى له الجبين.
فمنذ حدوث الهزة الأرضية غرب السلمية ظهرت مجدداً كما في السابق كل أشكال الفوضى والتنجيم والدجل والتخويف من حدوث زلازل لا تبقي ولا تذر على طريقة فرانك الهولندي وتابعيه من الجهلة المتعلمين ومن مواقع الوهم والدجل التي تعد بالعشرات ولا أريد ذكرها بالأسماء ومعهم الكثير من الأشخاص الواقعين بوهم المعرفة.
ووصل الأمر حتى بالبعض من الكتاب أن أخذوا يسطرون المقالات العظيمة عن الزلازل بتجميع من النت بغض النظر عن دقتها أو صحتها.
ومشكلة الكثير من هؤلاء عندما ينقلون هذه المقالات المجمعة لا يعلمون بأنهم يرتكبون أخطاء قاتلة في المصطلحات التي يتم نقلها لأنها توضع في مكان غير مكانها، وتعطي معنى مختلفاً، أضف الى ذلك ظاهرة السرقة والنسخ واللصق بدون ذكر المصدر وما مصداقية ما يتم نقله لدرجة يضيع الإنسان العادي وحتى المختص في متاهات هذه المعلومات غير معروفة المصدر وغير الدقيقة التي تصل في معطياتها الى حد التناقض.
إذاً، هناك جهات تصنع الخبر وتنشره بسرعة البرق من خلال أصحاب وهم المعرفة.
يقول العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ: “أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل وانما وهم المعرفة”، فوهم المعرفة هو اعتقاد الإنسان أنه يعرف أكثر من معرفته الحقيقية ويختلط عليه الأمر بين الاطلاع والفهم .
ويعد وهم المعرفة أخطر من الجهل، لأن الجهل يضر بصاحبه فقط، بينما وهم المعرفة يضر صاحبه ومن هم حوله ومن يستمع إليه.
لقد ساهمت الفضائيات وعصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في انتشار هذه الظاهرة، لاعتقاد الناس أنهم يعرفون الكثير من العلوم وبمستوى يؤهلهم في الحديث عنها من خلال بعض المعلومات التي اكتسبوها من هنا وهناك، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.
أن ما أثير من تكهنات بحصول زلازل عنيفة في المنطقة كلها هو في إطار التنجيم والخزعبلات ووهم المعرفة وتسابق المواقع على نشر العناوين المثيرة والجاذبة للقراء بدون مضمون معرفي يذكر.
لأن ذلك بعيد كل البعد عن العلم وعن المعرفة الحقيقية بتكتونيك المنطقة وفوالقها النشطة ومنعكساتها الزلزالية ومفاعيلها بعد الهزات والزلازل وعمليات رصدها.
يجب على وسائل الإعلام بكل صيغها أخذ المعلومات من مصادرها الأصلية والابتعاد عن المنجمين والدجالين وأصحاب وهم المعرفة.
ويجب على الموجودين في مواقع المسؤولية أثناء تصاريحهم أن يزيّنوا كلماتهم بمثقال الذهب ولا يعطوا أجوبة فضفاضة تخيف الناس وترعبهم، كما أدعو الناس إلى عدم متابعة المواقع المأجورة أو المدسوسة والصفحات الصفراء، التي لا تهتم بالمتابع بقدر اهتمامها بكيف تجذبه وترعبه.
ودمتم سالمين جميعاً.