بمشاركة ذوي الهِمم… مسير الدراجات الهوائيّة في النبك للمرة الثالثة
تشرين- لبنى شاكر:
“ما بتتوازن بدونِك”؛ شعارٌ تبنّته مؤسسة مَوج التنموية في مشروعها “توازن” لِرفع ثقافة استخدام النساء للدراجة الهوائية وتشجيعهن اعتمادها وسيلة نقلٍ، تُسهّل وتُعزز حضورهن في الحياة العامة، ويبدو أن الفكرة التي وجدت صدى مُجتمعياً، عبر دعم حملة المؤسسة في فيسبوك، بالتوازي مع مُشاركة أعداد كبيرة من الشابات والسيدات في مسير الدراجات الهوائية في عامين سابقين، كان حافزاً للاستمرارية هذا العام أيضاً، إنما بمشاركة عددٍ من ذوي وذوات الاحتياجات الخاصة، أخضعتهم المؤسسة إلى دورةٍ تدريبيةٍ مجانيةٍ، تعلموا خلالها تقنيات ركوب الدراجة وإجراءات السلامة اللازمة.
تدريبٌ خاص
إضافة شريحةٍ جديدةٍ إلى المسير، تطلّبت تدريباً خاصاً، يتناسب مع الحالات الجسدية والذهنية لذوي الهمم المُشاركين، حسبما تقول رهف غنيمة منسّقة مشروع “توازن” في حديثٍ إلى “تشرين”، مشيرةً إلى أن القدرة على ركوب الدراجة كانت قاعدةً رئيسيةً للانضمام، بمعنى أن استخدامها لا يُشكّل خطراً إطلاقاً وليست له أي آثار جانبية على أصحاب الاحتياجات الخاصة، ومن ثم اختارت المؤسسة شعار “الرياضة حق للجميع” عنواناً للنسخة الثالثة من المسير، تأكيداً على ضرورة أن تكون الدراجة جزءاً من حياة هؤلاء، للتنقّل والتسلية وكسب العيش، لذلك قدمت دراجاتٍ للشرائح الأكثر هشاشة جسدياً ومادياً، مع التأكيد على أنّ تشجيع النساء ركوب الدراجة الهوائية لا يزال هدفاً رئيساً للمشروع.
حدثٌ سنويٌّ
ضمَ المسير الذي أقامته مَوج في مدينة النبك مُؤخراً، بالتعاون مع الاتحاد العربي السوري للدراجات، وعددٍ من المؤسسات الرسمية والفرق التطوعية الرياضية، حوالي 200 شابٍ وشابة من عدة مدن ومحافظات، ومن فئاتٍ عمريةٍ متنوعة، وهي إشارة كما ترى غنيمة إلى أن المجتمع بدأ يتقبل نوعاً ما، فكرة استخدام النساء للدراجة الهوائية، ولا سيما مع ازدياد أعداد المُعيلات لأسرهن، وحاجتهن لوسيلة نقلٍ تُوفر الجهد والمال، عدا عن أزمة المواصلات التي تجعل الوصول إلى الجامعة ومكان العمل مشكلة يومية، والأهم كسر الصورة النمطية التي ترى أن استخدام المرأة للدراجة يُسبب إشكالياتٍ جسديةٍ ونفسيةٍ، وينتقص من مكانتها في المجتمع. تقول غنيمة أيضاً “نحن بحاجة إلى تراكم جهود، ومزيد من العمل في هذا الميدان، لكن مع ذلك لاحظنا تقبلاً للفكرة، حتى إنّ عدداً كبيراً من النساء تواصلن معنا لاستعارة دراجة للمُشاركة في المسير الذي أصبح حدثاً سنوياً مُنتظَراً بالنسبة لهن، ومع الزمن وتكرار التجارب سيتقبل أيضاً استخدام ذوي الهمم للدراجة”.
تجربة ممتعة
من المُشاركات التقينا الشابة نيرمين غنيمة “21 عاماً”، والتي رغم تخوفها سابقاً لكونها لا تمتلك فكرة عن قيادة الدراجة، استفادت من التدريب الذي قدمته المؤسسة وأصبحت فعلاً قادرة على استخدام الدراجة والانضمام إلى المسير، تقول لـ “تشرين”: “تعلّمت خلال أيام، وكان هذا مُفاجئاً بالنسبة لي، لأنني ظننت الأمر صعباً وسيحتاج وقتاً، لكنها تجربة ممتعة جداً، أتمنى أن تستفيد منها الفتيات، على الأقل للذهاب إلى الجامعة بدل انتظار وسائل النقل التي يكثر التزاحم حولها”.
ذوو الهمم
التقينا أيضاً هبة الحصيني “38 عاماً”، كانت الوحيدة الموجودة من ذوي الاحتياجات الخاصة في المسير العام الماضي، تحدثت لـ “تشرين” وقتها عن نظرات الناس إليها في الطرقات، إعجاباً بقيادتها واعتمادها على نفسها، ويبدو أن حضورها أثار اهتمام زملائها في جمعية المجد المعنية بالإعاقة، وكان حافزاً لانضمام عددٍ منهم إليها في المسير المُقام مُؤخراً، كما تُوضح المتطوعة في الجمعية والمشرفة على شعبة الشباب فيها عليا طيب، تقول: “البعض يظن أن ذوي الهمم عاجزون أمام تحديات الحياة، وغير قادرين على تحقيق ما يُذكر، لكن الحقيقة مختلفة، وهذا ما لمستُه كأمٍ لأبناءٍ من هذه الفئة وكعاملةٍ مع الجمعية، لذلك عندما أبدى البعض رغبتهم في تعلّم ركوب الدراجة، وقفنا إلى جانبهم ودعمناهم”.
من الجمعية شارك فادي الضعيف “18 عاماً”، وهو يُعاني حسب ما تشرح المشرفة من تأخرٍ فكري، اضطر بعد وفاة والده إلى العمل في توصيل الطلبات، مشياً على قدميه، لكن حياته انقلبت كليّاً، بعد أن تعلّم ركوب الدراجة واستخدمها في عمله، وهو ما ينسحب أيضاً على مهند الشائي “18 عاماً”، لديه صعوبات في التعلم وتأخر فكري أيضاً، يستخدم الدراجة لمساعدة والده العامل في محل معجنات.
يُذكر أن مَوج تعمل كمبادرة إعلام تنموي منذ عام 2014، أُشهِرت قانونياً في سورية عام 2020، وتعمل وِفق 4 برامج رئيسة: دعم التعددية والتماسك المجتمعي، تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة، تبني وإنتاج إعلام حساس للنوع الاجتماعي، واستدامة الموارد المُتاحة.