راوٍ ومُوثّق … محي الدين غنيم يستعيد يوميات الدكتور خالد الخطيب
دمشق- لبنى شاكر:
يكتب محي الدين غنيم عن الدكتور خالد الخطيب 1898-1933، بأسلوب الراوي والمُوثّق معاً، مُستحضراً نشأته في بيتٍ دمشقيٍّ في حي المهاجرين، كان له دور مشهود في الجهاد والثورة ضد الاستعمار الفرنسي منذ ميسلون وحتى يوم الجلاء وما تلاه، حيث كان والده يومها واحداً من المجاهدين في صفوف الثورة السورية، فكانت وقائعها ونضالات أبنائها، ومن بينهم الخطيب، محط اهتمامٍ ومُتابعة، إلى جانب اللقاءات التي شهدها محلهم التجاري وسط دمشق، وكان النضال موضوعاً لطالما شغل المُجتمِعين، ويُمكن القول إنّ غنيم اطّلع عن قرب على شخصية الخطيب، ومن ثم عندما خطر له الكتابة عنه بعد زمن، راح يتقصّى أخباره ويجمع آثاره الشعرية والنثرية، مُضافاً إليها ما قيل وما كُتب عنه، فاستطاع أن يُكوّن مادةً مبنيةً على حقائق وشهادات وتاريخاً كان حاضراً حيّاً في زمنٍ مضى، بأحداثه وشخصياته وأحداثه، إلى أن ظهر كتابه الصادر عن دار الحصاد في طبعته الثانية تحت عنوان “الدكتور خالد الخطيب.. مسيرة حياته ونضاله”.
استطاع المؤلف محي الدين غنيم أن يُكوّن مادةً مبنيةً على حقائق وشهادات وتاريخاً كان حاضراً حيّاً في زمنٍ مضى
يحكي غنيم عن الخطيب مُتتبعاً مشواره من نشأته في حماة وانتسابه إلى معهد الطب العثماني في دمشق حيث تخرّج فيه طبيباً عامّاً باختصاص الجراحة والتوليد، مع ما أظهره باكراً من براعةٍ خطابيّة، إلى أن تطوّع كطبيب عسكري في الجيش الذي هبّ لقتال الفرنسيين في ميسلون بقيادة يوسف العظمة، حيث تمركزت الفرقة الطبية قريباً من منطقة الديماس، ولنا أن نتخيله متنقلاً بين الجرحى تحت النيران، هكذا إلى أن داهمت قوةٌ فرنسية اجتماعاً حضره مع الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري، ثم سيقوا إلى محكمةٍ عسكرية حكمت عليهم بالإعدام ثم خففت الحكم إلى عشرين عاماً، وهنا كانت تجربة الخطيب الأولى في المُعتقل في قلعة جزيرة أرواد، ليُفرج عنهم بعد ثمانية عشر شهراً بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، وفي مختلف المحطات والانعطافات التي مرّ بها، يبتعد غنيم عن المديح والتفخيم والمبالغة، وهو المطب الذي وقع فيه كثيرٌ ممن دوّن يوميات المناضلين، سارداً التطورات والنقلات على هيئة حكاية، بطلها إنسانٌ من لحمٍ ودم.
يبتعد غنيم عن المديح والتفخيم والمبالغة، وهو المطب الذي وقع فيه كثيرٌ ممن دوّن يوميات المناضلين
عاصر الخطيب الثورة كما ينقل غنيم، بوصفه طبيباً ومناضلاً ورجل سياسة، في الحجاز وحمص وحماة وجبل العرب والغوطة، ومما يذكره على وجه الدقة، روايةٌ تُفيد بأنه عرّض نفسه للموت من أجل إنقاذ حياة المجاهد هنيدي باشا، بعد إصابته في إحدى المعارك، وبالقدر ذاته من الشجاعة والوفاء استمر بتقديم خدماته الطبية حتى عندما اضطرته الظروف للانتقال إلى الأردن ومصر، ويُقال إن ساعات عمله الطويلة عجلت بوفاته شاباً، عدا عن انتقال عدوى مرض ذات الرئة إليه، من زوجته وابنته. ومما يُعرّج عليه غنيم أيضاً، زيارة والده المجاهد محمد سعيد غنيم لقبر صديقه الخطيب، بعد عشر سنواتٍ على رحيله، ووجد القبر من الطين، مهملاً لا يليق بمقام مجاهدٍ كبير، حتى أنه بلا شاهدة، فقرر تشييد ضريح لائق ومناسب، وكانت تلك مناسبة للتذكير بما قدمه في سبيل شعبه ووطنه.
اجتهاد غنيم في تسجيل شريط حياة صديق والده المناضل أوصله إلى قصائد كتبها في مراحل مختلفة من حياته
اجتهاد غنيم في تسجيل شريط حياة صديق والده المناضل، أوصله إلى قصائد كتبها في مراحل مختلفة من حياته، منها مثلاً ما كتبه في سجن قلعة أرواد الذي شبهه بالباستيل الشهير في فرنسا، وما كتبه أثناء إقامته في الحجاز بعنوان “إنه بالدار يطمع” و”حياتي في المنفى”، أيضاً نقل ما كتبه تحت مسمى “من الثورة السورية لأمير الشعراء أحمد شوقي”، وفيها كتب قصيدة بقصيدة شوقي التي ألقاها في نادي الأزبكية في القاهرة وفي مطلعها “سلام من صبا بردى أرق، ودمع لا يكفكف يا دمشق”، من دون أن ينسى الإشارة الى ما كتبه الخطيب من خطبٍ ومقالاتٍ، لم يعثر إلّا على مقالتين وخطابٍ منها، أوردها في كتابه، الذي يُمكن عدّه مرجعيةً لا تقتصر على الراحل الدكتور خالد الخطيب، واسمه اليوم منسيٌّ تماماً، إنما تتعداه إلى مناضلين آخرين، أسماؤهم منسيّةٌ أيضاً، كانت لهم حكاياتهم وأصواتهم، لكن لم تجمعهم الأقدار بإنسانٍّ وفيٍّ كالمؤلف محي الدين غنيم.