عن الأوروبيين وانتخاباتهم.. أحزاب السلطة تجني ما صنعت أيديها و«محافظو» بريطانيا سيلحقون «وسط» فرنسا.. البريطانيون يصوتون للتغيير و«العمال» يستعدون للعودة
تشرين- هبا علي أحمد:
تواجه النخب السياسية التقليدية الأوروبية الحاكمة عواصف التغيير والخسارة، ولاسيما بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي أفرزت واقعاً مُغايراً لما كان سائداً لعقود، إذ لم يعد فوز الأحزاب الحاكمة من المسلمات، بل على العكس أصبحت الخسارة أحد أكبر الاحتمالات في طريقها، والذي دفع الأمور إلى ما وصلت إليه العديد من القضايا الداخلية والخارجية، وأكثر ما يؤثر راهناً في الانتخابات القائمة في غير دولة أوروبية من بينها الانتخابات البريطانية التي تنطلق اليوم، هو العدوان الإسرائيلي على غزة والتأييد الرسمي المطلق له في مقابل رفض شعبي واسع، ناهيك بأن تلك النخب انشغلت عن القضايا الداخلية المُلحة كالهجرة والتعليم والصحة وغيرها الكثير بالقضايا الخارجية، وبات السياسي الأوروبي يهتم مثلاً بالحرب الأوكرانية ويفرد لها مساحة واسعة من الحديث، وأصبحت القضايا الداخلية مجرد شعارات انتخابية جاذبة ولاسيما موضوع العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بعد الخروج البريطاني منه، وربما الناخب الأوروبي سئم المشهد واتجه نحو التغيير، أي ما يحمل ذاك التغير، وبعد فرنسا وما تشهده من انزياح نحو اليمين المتطرف أقلّه إلى الآن ريثما تتضح الصورة في الجولة الانتخابية الثانية الأحد المقبل، تشهد بريطانيا انزياحاً هي بدورها نحو تغير في النخب التقليدية، بما يُمثل انقلاباً في المشهد الأوروبي وبالتأكيد سيطول عموم أوروبا.
لم يعد فوز الأحزاب الأوروبية الحاكمة من المسلمات إذ تواجه النخب السياسية التقليدية عواصف التغيير والخسارة
في المشهد الانتخابي
شهدت بريطانيا في ظل حكم حزب «المحافظين» استفتاءين مهمين، استقلال أسكتلندا والخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، إلى جانب الصدمات الدولية بسبب تفشي كورونا والحرب الأوكرانية، وهذه المعطيات فرضت تحديات جمّة، ودخلت البلاد بالتزامن معها في ركود اقتصادي وانعدام الثقة المتزايد بالمؤسسات الحكومية وتداعي النسيج الاجتماعي، وأمام هذه التحديات يتوجه الناخبون البريطانيون للإدلاء بأصواتهم اليوم في الانتخابات المبكرة – كان من المفترض أن تجري في تشرين الأول المقبل – والتي دعا إليها رئيس الوزراء ريشي سوناك، حيث يترقب حزب «المحافظين» الحاكم خسارة متوقعة بعد 14 عاماً من الاستمرار في السلطة، في مقابل فوز مرتقب لحزب «العمال» بقيادة كير ستارمر، وسط غياب خيارات حقيقية أمام الناخب البريطاني، مع الإشارة إلى أن المزاج العام قبيل فتح صناديق الاقتراع، كان ملبداً ومضطرباً إلى حد كبير، فانعكس ذلك على استطلاعات الرأي التي تباينت أرقامها بالنسبة للنتائج ولكنها اتفقت على مشترك واحد، ألا وهو أن الشارع البريطاني يريد التغيير.
ويعدّ كثيرون الخسارة الساحقة التي تعرض لها حزب المحافظين في الانتخابات المحلية في أيار الماضي السبب الرئيس وراء إعلان سوناك للانتخابات المبكرة، فقد شهد الحزب الحاكم في هذه الانتخابات أسوأ خسارة له منذ 40 سنة، وحلّ في المركز الثالث بعد حزب «العمال» المنافس والحزب الليبرالي الديمقراطي، وذلك ما حدا بسوناك إلى البحث عن استراتيجيات جديدة لتحسين موقف حزبه، ولا سيما أنّ تأجيل الانتخابات قد يزيد من صعوبة استعادة حزبه لمكانته بين الناخبين، خصوصاً أن الانتخابات أظهرت شعبية حزب «العمال» بزعامة كير ستارمر، الذي يعدّ أكبر تهديد لحزب «المحافظين» الحاكم.
وتشير استطلاعات الرأي النهائية للانتخابات، وفق صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، إلى قراءة قاتمة بالنسبة لحزب المحافظين بعد 14 عاماً من الحكم، ما دفع البعض إلى توصيف المشهد بأنه «مجزرة» انتخابية قد تلحق بـ«المحافظين».
وكشف استطلاع أجري لمصلحة شركة «يوغوف» أنه من المتوقع أن يفوز حزب «العمال» بزعامة ستارمر بـ431 مقعداً، بزيادة 229 مقعداً عن عام 2019، مع حصول المحافظين بزعامة سوناك على 102 مقعد، بانخفاض 263 مقعداً عن الانتخابات الأخيرة.
وذكرت «بوليتيكو» أنّ هذه الأرقام ستمنح «العمال» أغلبية بـ212 مقعداً، وهي أكبر أغلبية يتمتع بها الحزب على الإطلاق، وبيّنت أنّ الفوز الساحق للحزب العمال سيكون بمنزلة نتيجة تحولية للسياسة البريطانية، ما سيؤدي إلى رحيل «المحافظين» بعد 14 عاماً من الحكم و5 رؤساء وزراء.
كما توقع استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «مور إن كومون» أغلبية 210 مقاعد لحزب «العمال»، حيث أظهر حصول الحزب على 430 مقعداً، بزيادة 228 مقعداً عن الانتخابات الأخيرة، بينما انخفضت حصة المحافظين 239 مقعداً إلى 126.
كما أشار استطلاع جديد للرأي في بريطانيا، أجرته مؤسسة «فوكال داتا» إلى أغلبية أعلى لـ«العمال» بـ 238 مقعداً، حيث خصص للحزب 444 مقعداً، مقابل 108 مقاعد للمحافظين.
وبيّنت الصحيفة أنّ مجموعة واسعة من استطلاعات الرأي، أظهرت أن البريطانيين يثقون الآن بحزب «العمال» مقارنةً بحزب «المحافظين»، فيما يتصل بالدفاع والأمن القومي، تماماً كما هي الحال في أي قضية أخرى تقريباً.
وتوقع تحليل لاستطلاعات رأي أجرته شركة «سيرفيشين» أن حزب «العمال» سيفوز بنحو 484 من إجمالي 650 مقعداً في البرلمان، بما يزيد كثيراً على 418 مقعداً فاز بها زعيم الحزب السابق توني بلير في فوزه الساحق عام 1997 وكانت الأعلى في تاريخ الحزب، كما تشير التوقعات إلى أن حزب «المحافظين» سيفوز بنحو 64 مقعداً فقط وهو أقل عدد مقاعد منذ تأسيسه عام 1834، في حين أظهرت تحليلات أخرى هوامش أقل لفوز حزب «العمال»، لكن لم يظهر أي منها نتيجة إجمالية مختلفة.
الاقتصاد محور أساسي في الانتخابات البريطانية إذ يعاني البريطانيون من نمو بطيء في الدخل وأزمة تكاليف المعيشة المتصاعدة
من القضايا المطروحة
وتشير تحليلات إلى أنّ الاقتصاد محور أساسي في هذه الانتخابات، إذ يعاني البريطانيون من نمو بطيء في الدخل وأزمة تكاليف المعيشة المتصاعدة، ويَعِد الحزبان الرئيسان وهما «العمال» و«المحافظين» بزيادة الاستثمارات العامة أو تقليص الضرائب لتحفيز الاقتصاد، ولكنّ هناك تراجعاً في ثقة الشعب بقدرة «المحافظين» على إدارة الاقتصاد خصوصاً بعد الخسائر التي تكبدها والتي سيستغرق إصلاحها سنوات طويلة.
أما عن الهجرة فإن أبرز خطط الحزب الحاكم المثيرة للجدل تقضي بإرسال المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا حتى الانتهاء من النظر في طلبات لجوئهم، بينما يخالف «العمال» ذلك، ويرجح تشديد الأمن على الحدود حلاً لهذه المشكلة التي اختلف عليها الشعب البريطاني.
وعن العدوان الإسرائيلي على غزة، بات من المعروف دعم «المحافظين» للكيان، في حين ترى تحليلات أنه بغض النظر عن الملاحظات على موقف حزب «العمال» من غزة، إلا أن كثيرين صوّتوا لمرشحيه لأن مواقفهم الفردية كانت أفضل من مواقف «المحافظين» المجمعين على مساندة «إسرائيل».
استطلاعات الرأي النهائية للانتخابات البريطانية تشير إلى قراءة قاتمة بالنسبة لحزب المحافظين بعد 14 عاماً من الحكم
غضب واستياء
وفي وقت تشهد فيه فرنسا وبريطانيا انتخابات، تحدثت صحيفة «الغارديان» أمس عن حالة السخط على الحكومتين في باريس ولندن، قائلة: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شهد تراجع ائتلافه الوسطي إلى المركز الثالث في الجولة الأولى، التي فاز فيها بشكل مقنع التجمع الوطني اليميني المتطرف، والسؤال الحقيقي الوحيد المتبقي للجولة الثانية يوم الأحد، هو حجم أغلبية اليمين المتطرف وما إذا كانت نسبية أم مطلقة؟
وفي المملكة المتحدة، يتجه حزب «العمال» المعتدل إلى تحقيق انتصار ساحق، من شأنه أن يطيح بحكومة ريشي سوناك بعد 14 عاماً من حكم «المحافظين» المضطرب والمتطرف بشكل متزايد، والذي تميز بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلاه.
وقال أحد المحللين: من الصعب عدم استنتاج أنه بينما تخرج المملكة المتحدة من الفوضى السياسية المختلة بحكومة قوية وقيادة متماسكة، فإن فرنسا على وشك أن تقفز رأساً على عقب في فوضاها الخاصة.
وحذر كليمان بون، الوزير السابق في حكومة ماكرون، من أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة سيكون دراماتيكياً، ليس بالنسبة إلى الرئيس أو حزبه، بل بالنسبة إلى جميع الفرنسيين.. وبينما يطوي أصدقاؤنا البريطانيون صفحة الديماغوجية القومية، دعونا لا نذهب إلى هناك بأنفسنا.
وأكدت الصحيفة أنّه بغض النظر عن النتائج المحتملة والمختلفة جذرياً للانتخابات على الأرجح، فإنّ الناخبين من كلا الجانبين يعبّرون عن مخاوف متشابهة بشكل ملحوظ.
التصويتان – فرنسا وبريطانيا – مدفوعان بالغضب والاستياء أكثر من كونهما مدفوعين بشيء ما في الواقع
وقال فيليب مارليير، أستاذ السياسة الفرنسية والأوروبية في كلية لندن الجامعية: التصويتان مدفوعان بالغضب والاستياء أكثر من كونهما مدفوعين بشيء ما في الواقع، لافتاً إلى أنه في فرنسا الأمر يتعلق بسبع سنوات من حكم ماكرون، أما في المملكة المتحدة فنحو 14 عاماً من حكم «المحافظين».
حول الانتخابات
وتُجرى الانتخابات في المملكة المتحدة مرة كل 5 سنوات، ما لم يتم التصويت على إجراء انتخابات مبكرة، وتشمل الانتخابات إنكلترا، وويلز، وأسكتلندا، وإيرلندا الشمالية، حيث تقسم البلاد إلى 650 دائرة انتخابية متساوية في عدد الناخبين.
وتعمل المملكة المتحدة بموجب نظام انتخابي يقوم على الأغلبية، حيث ينتخب الناخبون ممثلين لهم في 650 دائرة انتخابية، ويتولى الحزب الذي يفوز بأغلبية المقاعد، 326 مقعداً على الأقل، تشكيل الحكومة، ويصبح زعيمه رئيساً للوزراء، وإذا لم يحصل أي حزب على الأغلبية يحصل رئيس الوزراء الحالي على الفرصة الأولى لتشكيل حكومة ائتلافية.
وتشمل الأحزاب السياسية الرئيسة حزب «المحافظين» بقيادة رئيس الوزراء ريشي سوناك، وحزب «العمال» بقيادة كير ستارمر، و«الديمقراطيين الليبراليين» بقيادة إد ديفي، و«إصلاح المملكة المتحدة» بقيادة نايجل فاراج، والحزب «الوطني الأسكتلندي» بقيادة جون سويني، وحزب «الخضر» الذي شارك في قيادته كارلا دينير وأدريان رامزي.
ومن المتوقع أن تبدأ نتائج الانتخابات بالظهور مساء اليوم الخميس بعد إغلاق مراكز الاقتراع في الساعة العاشرة مساء، ويُتوقع إعلان معظم نتائج الدوائر الانتخابية في ساعات الصباح الأولى من يوم غد الجمعة.