«قَسَم أبوقراط » ضاع وسط ضجيج «خشخشة» النقود.. أطباء أخرجوا أجور المعاينات من حسابات إحصاء العائد أمام مداخيل يومية تصل إلى أكثر من ٥ ملايين ليرة
دمشق- دانيه الدوس:
لا نعلم إن كان من الصواب أن نشبه نشرات وزارة الصحة التسعيرية بنشرات وزارة “التموين” التي يعدّها البعض حبراً على ورق لعدم التزام المعنيين فيها، فمنذ أكثر من عام لم يعد هنالك طبيب يأخذ أقل من 50 ألف ليرة “كشفية”، لا بل وصلت كشفية بعض الأطباء الى 150 ألف ليرة، كما تؤكد الطبيبة رغد الاختصاصية في طب الأورام وتتابع ضاحكة: لا تعليق على قرار وزارة الصحة الأخير الذي يقضي برفع أسعار الكشف الطبي سوى “يطعمك حجة والناس راجعة”، لكنه ربما يكون غطاءً قانونياً يحميهم من المساءلة القانونية في حال وردود أي شكوى بحقهم.
استغلال المريض
منذ أيام قليلة أصدرت وزارة الصحة تسعيرة رفعت فيها أسعار الكشف الطبي والأجور في المشافي، حيث باتت أجرة الكشف الطبي للممارس 25 ألف ليرة والطبيب الاختصاصي في العيادة 40 ألف ليرة، ومعاينة الطبيب المختص الذي تجاوزت ممارسته 10 سنوات 50 ألف ليرة، هذا القرار الذي اعتبره الأطباء لا بأس به، إن لم نقل منصفاً في ظل قلة عدد الأطباء الذين قرروا البقاء لخدمة أبناء وطنهم، في حين اتهم المواطن المتعوس وزارة الصحة بأنها المسؤولة عن استغلال الأطباء لحاجة المرضى فلا يكفي ارتفاع أسعار الأدوية الكاوية لتأتي معاينة الطبيب لتميت المريض بالكامل، فقد اقتصر أغلب المواطنين اليوم بعد الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية على مشورة الصيدلي وشراء الدواء إن دعت الحاجة الشديدة له، وأحياناً كثيرة قد يلجأ إلى الطب البديل من الأعشاب والمشروبات الساخنة لرفع مستوى المناعة لديه.
سمسرة طبية
بدلاً من إصدار تعرفة للمعاينات الطبية، إن لم نقل نشرات تسعيرية من قبل وزارة الصحة، المفروض تنظيم الممارسة الطبية وتحقيق العدالة بين الأطباء على مستوى إجراء العمليات الجراحية، فالطبيب اليوم لم يعد يفكر بعدد المعاينات الطبية التي تأتيه وإنما بعدد العمليات التي سيقوم بها يومياً، فهناك أطباء يبحثون عن مريض في الشهر وهنالك أطباء مدخولهم اليومي أكثر من 3 ملايين من إجراء العمليات المختلفة، كما يؤكد حسان الطبيب الاختصاصي في الأمراض الداخلية.
وأكد الطبيب الذي أصر على عدم ذكر اسمه، أن السمسرة طالت حتى مهنة الطب فممرض أحياناً يقوم باستقطاب عدد من المرضى وإقناعهم بخبرة بعض الأطباء لجذبهم لإجراء العملية عنده مقابل أن يأخذ حصته من العملية، ناهيك بظهور شركات وهمية خاصة تقوم بالترويج الإلكتروني للطبيب عبر طرح اسمه في بعض الصفحات الطبية وتجييش عدد كبير من الحسابات للدعاية له عبر نشر قصص تظهر مهارته وخبرته و”رحمانيته” في تحديد أسعاره.
العدالة مطلوبة
ورأى الطبيب أنه لو كان هنالك عدالة في توزيع المهام الطبية بين الأطباء كما في كل دول العالم، مع وجود تأمين طبي للمريض والطبيب مدخوله الشهري شبه ثابت، لما رأينا هذا التغول من قبل الأطباء في استغلال المريض، طبعاً ليس كل الأطباء، فلا يزال هنالك أطباء رحمانيون يراعون حالة المريض المادية، مشيراً الى أن مهنة الطب في البلد تعتمد على الجهد الذاتي من لديه أموال يستطيع فتح عيادة خاصة به وإعلان وشعبية وقبول إلكتروني بين الناس ليس كما بقية الدول الأخرى
طبيب آخر اختصاصي عصبية، رأى أن قرار التعرفة الجديدة هنالك من سيلتزم به من الأطباء ومنهم من لن يلتزم، مشيراً الى أن هناك بعض الأطباء الجراحين، مستعدون لتخصيص مبلغ كامل يمكن أن يصل إلى عشرات الملايين لطي الشكاوى الواردة بحقهم، فما يجنونه من إجراء العمليات يومياً يدفعهم لدفع أي مبلغ مهما كانت قيمته، مشيراً الى أنّ أغلب الشكاوى الواردة في حق الأطباء تكون بعدم التزامه بتقديم خدمة طبية جيدة تتناسب مع المبلغ الذي يتقاضاه، ولا توجد شكاوى بخصوص أجر المعاينة فهو يعلم مسبقاً أجرة معاينة الطبيب قبل الذهاب اليه.
بعض الإنسانية
أيدت الطبيبة سوزان الاختصاصية في الطب النسائي الارتفاع في أجور المعاينات الطبية، فالطبيب أيضاً لديه التزامات مادية من ضرائب وإيجار عيادة وسكرتيرة، واعتبرت السعر الذي حددته وزارة الصحة مؤخراً للمعاينة قليلًا بالنسبة للظروف الحالية لكن كما قالت “بحصة بتسند جرة” فبرأيها يجب ألّا تقل أجرة معاينة الطبيب عن 50 إلى 100 ألف ليرة حسب خبرة الطبيب.
وأضافت: بعض المرضى يبدون استياءهم من أجور معاينة بعض الأطباء و”يستخسرون” إعطاءه أجرة معاينته كما يقررها وكله تحت اسم الإنسانية وكأن الطبيب يتنفس إنسانية وليس لديه التزامات مالية يود تأديتها، علماً أننا نلتقي بمرضى تفاصل على الليرة ونتفاجأ أنها تبذر أموالاً على التجميل واللبس والمكياج أضعافًا مضاعفة، فهنالك مريضة مثلاً استنكرت أجرة معالجة إصابة ظفر لديها مصاب بالفطور بـ40 ألف ليرة أصيبت بها أثناء تركيب جل أظافر في أحد الصالونات غير المعقمة بتكلفة 150 ألف ليرة، مشيرة الى أنه رغم ذلك لا نستطيع القول إن عامة الناس قادرون على ذلك، ودفع 50 ألف أجرة معاينة سيكون مرتفعًا بالنسبة لهم ربما سيكلفهم أكثر من نصف راتبهم مقابل وصفة طبية ومعاينة طبيب وهنا يجب على الطبيب أن يراعي الحالة المادية للمريض.