الفرق 20 ألفاً وبضعة أمتار…تفاوت أجور المعاينات الطبية يلهب مخاوف المرضى من مراجعة العيادات.. الجميع يشكو والحل على لسان خبير احترافي
تشرين- شذى الخضر:
في زمن أُلغيت فيه الفوارق بين الواجب والمصلحة، لحياةٍ اتسمت بتعبٍ اقتصادي وقسوة اجتماعية، كان لابد للمواطن من تفعيل مرونة التقصي لديه، وبصورة مُلحة فيما يتعلق بوضعه الصحي، أهم ما يمكن أن يعول عليه للاستمرار، فما بين عيادةٍ طبية وأخرى تتفاوت أرقام المعاينات بشكلٍ يثير ألف سؤال، رغم إنها للتخصص ذاته، لكن ما يُفرقها قناعة طبيب وتعطش آخر، متجاوزةً المعقول ما بين رقعة طبية وأخرى.
ديواني: ما تقدمه الدولة لقطاع الصحة يمكن أن يُغطي التأمين الصحي لجميع المواطنين
من دون أسماء
من المستغرب أن نتلمس الخوف طبياً، فمن لا ترتجف أيديهم لمباضع غرف العمليات تجد الرعشة تجثم على أسمائهم، كالطبيب الذي لا يرغب في إشهار اسمه الممتد على لافتة العيادة المُضاءة، منعاً من إحراج الزملاء، وكي لا يثير حفيظة النقابة، مع اختياره الوسطية في تحديد الأجرة، لا يجد مشكلة في تسعيرة زميله بالتخصص ذاته، ولو كان بفارق عشرين ألفاً وبضعة أمتار، فبرأيه قد يعود التفاوت لأقدمية التخصص وربما لطبيعة المرضى، وما يهمه بالتحديد من هم ضمن منطقته أولاً، كونه يعتمد بشكل أساسي على مردود العمليات فالواحدة منها قد تغنيه عما يجنيه في شهر كامل من المعاينات، وفق رؤية أحد أطباء العيون.
فيما يَنكأ طبيب جلدية عريق جروح الحرب والتضخم الاقتصادي وما خلّفته من ندوب ظاهرة على الحالة المعيشية، فطبيعة التخصص وشهرة الطبيب هي ما يفرض التفاوت وفق رأيه، وعلى وجه الخصوص مع انخفاض عدد المُراجعين، فحجز موعد مسبق لم يعد مطلوباً الآن، منتقداً تشكّي من لا تنقصهم الحيلة لتأمين بعض الكماليات، وتراهم يضيقون ذرعاً بتكلفة المعاينة، مؤكداً أن أجور الأطباء في سورية هي الأكثر انخفاضاً بالنسبة لدول الجوار
ديواني: منذ عام 2010 تسعيرة مرجعية متطورة حبيسة الأدراج
حبيسة الأدراج
يكشف الدكتور ” هشام ديواني” استشاري و خبير صحي، أنه وفي عام 2010 وُضعت تسعيرة طبية مرجعية متطورة تتماشى مع النظام الصحي العالمي وتتماهى مع الترميزات الخاصة بعملية التأمين الصحي ومدة مكوث المريض في المشفى مستندة إلى النظام المعمول به عالمياً من خلال الترميز للتشخيص المسمى ICD10 والإجراءات التشخيصية CPT4 وهذه الإجراءات تضم كل الأعمال التي يقوم بها الكادر الطبي وتحدد تسعيرتها بشكل آلي وفقاً لتغيرات الأسعار، لكن العمل لا يزال حبيس أدراج وزارة الصحة، علماً أن شركات التأمين الصحية في القطر تتعامل به بصورة تامة.
رقابة ضمير
يُرجع ديواني سبب تباين أجور المعاينات بالنسبة للتأمين الصحّي، وعدم تعديلها لهيئة الإشراف على التأمين، نتيجة لانخفاض سعر الصرف وتأثر كل طبقات المجتمع بذلك بمن فيهم الأطباء، ناهيك بارتفاع أسعار المحروقات والإيجارات والضرائب والتجهيزات والأدوية الطبية، منوهاً بأنه لا توجد بيانات إحصائية لنسبة ارتفاع الأجور عملياً، إذ تحدد قياساً على زمن التخصص، والأسعار الصادرة عن هيئة الإشراف على التأمين وفقاً لأسعار السوق، لُتترك الرقابة لضمير الطبيب المعالج وشعوره بالأزمة التي يعانيها المواطن.
اعتناق شكوى
لا يُفرط أغلب الأطباء بشكواه ضمن إطار الحقوق، فتعويض جهد وتعب دراسة سنين طويلة هو حق، وتأمين متطلبات العيادة وما يتبعها من تكاليف مواد وإيجار وسكرتارية أيضاً حق، ناهيك بالتكلفة الباهظة التي يتكبدها الطبيب لإصلاح جزء صغير ضمن أحد الأجهزة والذي قد يتجاوز العشرة ملايين، إضافة لما يلتزم به من مصاريف لتأمين ثمن “المازوت والكهرباء” .
ومن الاستحالة أن يعمد أي طبيب إلى رفض علاج مريض غير قادر على دفع التكاليف المادية، فأخلاقيات المهنة وإنسانيتها تمنعه من ذلك، “هكذا تحدّث أحدهم”
آخر تسعيرة
وفق ما نوه به ” ديواني” فإن آخر تسعير رسمي لوزارة الصحة في تحديد أجور المعاينات كان في عام 2004، وقد صدر عام 2023 القرار التنظيمي رقم /8/ الخاص بالتسعير للمخابر، والقرار رقم /9/ الخاص بالمعالجة الدوائية والشعاعية للأورام.
بعض المرضى يلجؤون لذويهم في بلد الاغتراب لتأمين تكلفة العلاج، والرقابة متروكة للضمير
مشيراً إلى أن التسعيرة الطبية تعني (( تنظيم أسعار مهنة الطب للأفراد والمؤسسات المرخّصين لممارسة هذا النشاط)).
وقرار التسعير هذا صادر عن وزارة الصحة وفقاً لمرسوم إحداثها رقم \111\ لعام 1977.
وبرأية أن الأزمة الاقتصادية والتضخم وهبوط سعر الصرف للّيرة السورية، كان لها تأثير واضح على الأسعار وأجور الخدمات الطبية.
مطالب وحلول
يفاجئنا د. “ديواني”بحقيقة أن ما تقدمه الدولة لقطاع الصحة، يمكن أن يغطي تأمين جميع المواطنين صحياً مع بعض التعديلات البسيطة، مما يرفع الأزمة الطبية عن المواطن، ويحسن الحالة المادية المحقة للأطباء العاملين في الدولة
مطالباً بإنصاف الطبيب الموظف في القطاع الحكومي من خلال زيادة أجره المادي، غير الكافي ودعمهم بالتأمين الصحي، ويرى أن الحل للخروج من هذه الأزمة يكمن في تعديل النظام الصحي، وفصل القطاع العام عن الخاص وإصدار قانون التفرغ، إلى جانب تطبيق نظام التأمين الصحي، الذي لازال مشروعه يقبع في أدراج مجلس الوزراء منذ عام 2003، أو تعديل أنظمة الهيئات المستقلة، فالتطوير ينبغي أن يطال كافة الجوانب لاسيما وأنه لا توجد متابعة للخطط بشكل جدي، كذلك الحد من خسارة الأطباء، كرفع أجورهم في الدولة وتوفير مكان عمل ملائم لهم، وربط الخدمة الإلزامية بأماكن عملهم، ودعم بعض الاختصاصات وأهمها الطوارئ والتخدير و طب الأسرة.
آخر صيحات غلاء الدواء
لا تندهش ان اعترض طريقك سائل، بجانب أحد تجمعات العيادات، عارضاً عليك بضعة أوراق متسولاً ثمن دواء بات معضلة لكثير من المواطنين، هو إحدى نتائج رفع التسعيرة، أو ربما يمهل أحد المرضى جسده فرصة التشافي الذاتي، فليس كلُ ما يؤلم مرضاً.
عدا أن الكثيرين منهم يؤكدون أنهم يعتمدون في تأمين علاجهم على نفقة ذويهم في بلد الاغتراب، فعبارة “طمني عن صحتك مكلفة هذه الأيام”.
لا بيانات إحصائية لارتفاع الأجور وتحدد قياسياً على زمن التخصص
طمأنينة وهمية
بعض المرضى تستهويه الأجور المرتفعة والعيادات الكبيرة، فهو لن يطمئن على صحته، إلا إن ارتفعت التكلفة وأجرى العديد من التحاليل والفحوصات، فكلما حلقت الأسعار نَشِطَ هرمون التعافي لديه، الأمر الذي استُغل من بعض الأطباء، فبابتسامةٍ واثقة يؤكد طبيب قدير بأن مرضاه، جُلهم ممن تجذبهم المعاينة المُرتفعة، التي تبعث في نفوسهم طَمأنة وهمية بأنهم في المكان الصحيح
ويرجع ” عبد القادر كنجو” خبير نفسي هذا السلوك، إلى عدة عوامل قد تكون وراثية أو تربية منزلية نشأ عليها المريض منذ الصغر، أو ربما لأنه قد تعرض في السابق لتجارب طبية سيئة، ضمن عيادات متواضعة، تركت لديه مخاوف من إعادة التجربة، أو من منطلق كلما كان الأمر مكلفاً كان جيداً.
ظنون خاطئة
يُخطئ الظن من يعتقد أن إنتقاد المشكلة من باب التململ، أو لإثارة غبار النقمة لا أكثر، فالجميع يُقر بأن الأزمة الإقتصادية لم تترك مجالاً لأحد أن يُعاتبها على التجاهل فقد طالت الصغير والكبير، المثقف والبسيط، لكن ومن مبدأ أن العتب مرفوع، ألا ينبغي أن نجترح الحلول لطمأنة صحتنا العقلية قبل الجسدية، ولإيقاف نزيف حاد طال قطاع أقل ما يوصف أنه شريان الحياة.