صناعة الوهم

بكل جدية كان يعرض دروساً في كيفية كتابة الرواية! لم تكن الدروس توصيفاً لجودة الرواية واكتمال عناصرها، بل وصفات كتلك التي توضع لإعدادِ طبخة تُذكر فيها المقاديرُ الواجب استخدامُها من الحبوب والزيوت والبهارات والملح، فمراحلِ طهوها من السلق والقلي والخلط!
جزم “المدرِّس” بضرورة تخفيف الحوار والإقلال من الشخصيات، مع تسامحه بوجود شخصيات ثانوية تخدم أبطال الرواية، وكذلك نصح بتخفيف الوصف لأنه يصيب الرواية بالتشتت، وتمنى لجمهوره النجاح في كتابة رواية تستطيع أن تتقدم إلى المسابقات وتفوز بالجوائز!
لم يأتِ “المدرس” على ذكر أنّ الرواية شيء يتمرّد على التنميط الذي تُبنى عليه الصناعات وأن بناءها يتعلق أولاً بضرورة ميلادها كنوع أدبي يتشكل من ماء عميق مشبعٍ بالشعر وكل الفنون من الموسيقا إلى الرسم والنحت، وكذلك العلوم، من التاريخ والهندسة وعلم النفس والاجتماع والإناسة واللغة، ثم الخيال الذي يطوّع هذا المزيج بطريقة فريدة تجعل لكل روائيٍّ عالمه الذي يوازي غيره من دون أن يشبهه!
لم يأتِ “المدرس” على ذكر أنواع الروايات التي منها التاريخي والكلاسيكي والواقعي والأسطوري والبوليسي والخيال العلميّ ثم الحداثيّ وما انتمى إلى الواقعية السحرية، بل أهمل كل هذا كما أهمل أن الرواية تُمايِز بين روح شعبٍ وشعب آخر، هي التي كتبت بكل لغات الأرض لكنْ لكل لغة (أي لكل شعب) روحها الخاصة، تبدّت في نكهة الرواية الروسية أو اليابانية أو الفرنسية أو العربية، أو الإسبانية مما تظهره الترجمة الناشطة بين لغة وأخرى، وكذلك نمو الرواية ذاتِها ونضجُها عند شعب بذاته (قيل إن الرواية الروسية خرجت من معطف “غوغول” وسُمي “فيكتور هيغو” بأبي الرواية الفرنسية المعاصرة ونُسبت ولادة الرواية العربية إلى “حسين هيكل” في “زينب”، ومما لا يُعدُّ من أمثلة في طول الأرض وعرضها)
لم يتحف “المدرِّس” جمهوره بنصيحةِ أن يذهب لقراءة الأدب الروائيّ وهي الخطوة الأولى التي تفضي بالموهوب إلى تعلم كتابة الرواية، نكرر: الموهوب! فهناك سيجد المعلم الحقيقي الذي يُبهر “التلميذ” من دون أن يتلقى الوصفات على طريقة حلّ المعادلات الحسابية أو وصفة إعداد طبقٍ من الطعام الغريب الذي يسعى لمعرفته وتذوقه!
في صناعة هذا “الوهم” تحضر وقائعُ مبتذلة شاعت بعضَ الحين، مطبوعةً في كتب لا عيب أن نقول فيها إنها كتب أرصفة رخيصة، من نوع: “كيف تتعلم الإنكليزية في عشرة أيام” أو “كيف تكتب رسالة إلى حبيب” فكيف يمكن لفنٍّ رفيع مثل الرواية أن يستفيد من هذا الهذر؟؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
بحث سبل تعزيز التعاون بين وزارة الصحة والتحالف العالمي للقاحات بنسبة 5%.. تخفيض أسعار الغزول القطنية للمرة الثانية هذا العام الطيران المروحي يشارك في إخماد حريق بين الحصن والحواش بريف حمص الغربي مصادر خاصة: اللقاء بين الرئيسين الأسد وبوتين حمل توافقاً تاماً حيال توصيف المخاطر والتوقعات والاحتمالات المقبلة وزارة الثقافة تمنح جائزة الدولة التقديرية لعام 2024 لكل من الأديبة كوليت خوري والفنان أسعد فضة والكاتب عطية مسوح الإبداع البشري ليس له حدود.. دراسة تكشف أن الإبداع يبدأ في المهد تضافر جهود الوحدات الشرطية في محافظة حماة يسهم في تأمين وسائط النقل للطلاب وإيصالهم إلى مراكز امتحاناتهم الرئيس الأسد يجري زيارة عمل إلى روسيا ويلتقي الرئيس بوتين بايدن - هاريس - ترامب على صف انتخابي واحد دعماً للكيان الإسرائيلي.. نتنياهو «يُعاين» وضعه أميركياً.. الحرب على غزة مستمرة و«عودة الرهائن» مازالت ضمن الوقت المستقطع «أصوات ملونة» انطلاقة جديدة لأحلام كبيرة.. طلاب يقدمون الغناء الأوبرالي من مختلف الثقافات