ليلة العدوان
تشرين- ادريس هاني:
أتذكر تلك الليلة من العدوان الثلاثي الذي استهدف مركز الأبحاث العلمية بدمشق في 14 نيسان 2018، ليلة كاملة من التلويح، عشناها لحظة بلحظة، يومها وقبل ساعات عزفت مارشاه للنصر في العاصمة دمشق، ليقيني بأنّها ضربة بلا أفق سياسي، ما أشبه اليوم بالبارحة، حيث جاء في تصريح للبيت الأبيض بأنّ الغارات بدأت الليلة وستبقى خلال الليل.
على الرغم من وحدة السياق والمصير، حيث العدوّ يوحّد الأمة موضوعياً، لكن التّخلّف الذهني وانحطاط المشاعر الجماعية ما زال يظهر في أمرين ونحن نعيش ليلة استهداف كلّ من سورية والعراق:
الأوّل: غياب موقف تضامني حقيقي مع بلدان دفعت ثمناً باهظاً لقاء ما قدمته قوى المقاومة من إسناد لغزة.
والثاني فرع للأوّل، يتعلق بطريقة إدارة المصطلح، تضليلاً للرأي العام، بعض وسائل الإعلام المغرضة تستعمل معجماً ملتبساً للألفاظ: ميليشيا، موالين لـ..تراطاطا.. وهلمّ جرا.
في سياق هذا الوضع البائس، هناك ما تكشف عنه الرسائل الخفية التي تمثل الرقم السّري للكشف عن ثوابث قواعد الاشتباك، أعلنت الولايات المتحدة مسبقاً عن قرار ضرب مواقع في كل من البلدين، في إطار الحفاظ على هيبتها، لكنها تحدثت عن أنها لا تنوي توسيع الحرب في الشرق الأوسط ولا الحرب على إيران، هذا في حدّ ذاته لا يعني امتناعاً خيرياً عن خوض الحرب، بل تأكيد على وجود توازنات في المنطقة ناتجة عن قوة الردع، وأنّ قرار الحرب على طهران لم يعد قراراً غربياً سهلاً، بل هي حرب مستحيلة من منظور حقائق الواقع لا تمنيّات خصومها.
تمّ إخلاء أكثر القواعد التي استهدفت من قبل المدمرات الأمريكية سواء في دير الزور والبوكمال السوريتين أو القائم العراقية، لكن هذا لن يغيّر في جوهر التموقع العسكري شيئاً، بل ترافقه جولات مكوكية لأنتوني بلينكن إلى كل من الرياض وقطر والأراضي المحتلة، وسط تلميحات بقرب هدنة بغزة.
المشهد السيميائي للحرب في المنطقة يؤكد على أنّها بين جبهة مساندة للاحتلال، ومحور المقاومة، وأنّ استهداف سورية حتى اليوم كان وما زال له علاقة بتداعيات العدوان الذي يستهدف فلسطين، المشهد بات واضحاً: غزة تحت النار، استهداف جنوب لبنان، ضرب شرق سورية ومناطق عراقية على حدود سورية ونقاط داخل اليمن.
وكان واضحاً منذ البداية أنّه حين يغيب إرهاب الجماعات، يحلّ إرهاب الدّولة، في تبادل وظيفي لم نخطئ رصده منذ بداية عشرية العدوان، وبأنّ قواعد الاشتباك تحددها حقائق الاحتكاك في الميدان، وأنها ليست سردية خيالية، اليوم إمّا أن تكون مع محور المقاومة وإما أن لا تكون، ومحور المقاومة كلّ لا يتجزّأ، كما أنّ خلط الأوراق في سياق الحرب الكبرى، بما يُضعف الموقف ويشوّش على الأهداف الكبرى للنزاع، خداع استراتيجي مُكلف، لم يكن ذلك هو أوّل عدوان على هذه البلدان، بل لقد بات العدوان عليها عادة إمبريالية، وهي اليوم شرط حتمي باهظ الكُلفة في عملية الانتقال الصعب نحو نظام عالمي جديد.
كاتب من المغرب