ملف «تشرين».. غزة تقلب الطاولة على المخططات الأميركية- الإسرائيلية.. أول ضربة استباقية على جبهة حرب الطاقة في مياه المتوسط؟
تشرين- رشا عيسى:
ليست حرب الإبادة الجماعية التي يستمر فيها العدو الإسرائيلي منذ أكثر من شهر ضد الشعب الفلسطيني في غزة مجرد فصل من فصول القتل والوحشية والعنصرية التي ينتهجها الاحتلال منذ نشأته وحتى الآن، وإن كانت العنوان الرئيسي لهذا الكيان الغاصب، بل هي حرب انتقام مضاعف بعد أن أضاع العدو نقاطاً كان يظن واهماً أنه يمسك بها بقوة أسلحته الذكية وأسطورة «جيشه الذي لا يقهر»، وبالتالي قُهر وذُل على أيدي المقاومين.
النفوذ السياسي والاقتصادي، الذي كان يخطط أن يحصل عليه العدو انطلاقاً من الثروة في قلب البحر المتوسط، لم يعد ممكناً الآن، فالمقاومة قالت كلمتها وإنها موجودة وأي مخطط ولو كان من واجهة الاقتصاد والتجارة لن يمر والشعب الفلسطيني محاصر ومسلوب الحقوق، والثروات الموجودة قبالة السواحل الفلسطينية ليست للعدو الذي أضاف إلى هذه الحرب حرباً أخرى ليست خفية، عنوانها «جغرافيا الطاقة» التي يحاول عبرها إحداث تغيرات جذرية في البنية الجغرافية الفلسطينية وخاصة من ناحية الواجهة البحرية في غزة ليكون الغاز الطبيعي جوهر هذه الجغرافيا الجديدة.
د. ريما أحمد: عنصر المفاجأة الذي فجّرته المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول الماضي أطاح بأحلام الكيان الصهيوني بأن يكون مركزاً إقليمياً على مسار إنتاج وعبور الطاقة
قلب الواقع بالإجرام وسفك الدماء، وسائل يضرب بها العدو ومن خلفه الولايات المتحدة التي تريد حصتها من الثروة المدفونة في البحر لتحقق عدة أهداف، منها منع الغاز الروسي من الوصول إلى أوروبا واستمرار سيطرتها على الأوروبيين، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية من بينها وضع الصين وروسيا في مكان بعيد عن المنطقة، وأيضاً وضع الصخور في وجه إعادة إحياء «طريق الحرير» القديم الذي يعد أبرز طرق التجارة العالمية.
الغاز نقطة الفصل
الباحثة الاقتصادية الدكتورة ريما أحمد تؤكد لـ«تشرين» أن الغاز في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط يحظى بأهمية خاصة، لكونها تضم ما يقارب 47% من احتياطي النفط و41% من احتياطي الغاز في العالم، إلى جانب تميز المنطقة البحرية المتوسطية بأنها نقطة التقاء القارات الثلاث «آسيا وأوروبا وإفريقيا»، وتبقى في قلب طرق التجارة العالمية ومضائق السويس والبوسفور وجبل طارق، ما جعل التنافس يزداد عالمياً على هذه البقعة الجغرافية وثرواتها ولأن قوة هذه الثروات ستغير لاحقاً، ليس فقط الوضع الاقتصادي، بل التجاري وكذلك السياسي.
عنصر المفاجأة الذي اتبعته المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الفائت أطاح بجهود العدو على مدى عقود لطمأنة العالم والمستثمرين حول العالم بأنه يحافظ على الاستقرار المطلوب لكل المشروعات وخاصة مشروعان استثمار الغاز الطبيعي.
أحلام الكيان الإسرائيلي بأن يكون قوة اقتصادية ومركزاً إقليمياً لإنتاج الطاقة تبدو غير قابلة للتحقق بفضل المقاومة الفلسطينية التي عرّت كيان الاحتلال، فهو ليس صاحب الكلمة في هذه النقطة الجغرافية، والعملية المباركة للمقاومة الفلسطينية أثارت المخاوف لدى المستثمرين الذين يحتاجون إلى بيئة آمنة للاستثمار، وهنا لا يبدو أن العدو قادر بالمدى القريب على إزالة هذه المخاوف.
دلالات على مستوى الزمان والمكان
الباحث فراس ميني وجد أن الحرب على غزة حدث له دلالات على مستوى الزمان والمكان، كما يوضح لـ«تشرين»، فعلى مستوى المكان: موقع قطاع غزة دون غيره من الأراضي المحتلة هو موقع مميز يخطط العدو الإسرائيلي منذ سنوات لما يسمى «قناة بن غوريون» كبديل عن قناة السويس ولكن هذا الحلم لا ينجح بوجود الشعب الفلسطيني ومقاومته, وهذا الاحتلال أوجد عصابات «الهاغانا» التي ارتكبت مئات المجازر والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني أينما وجد على الأراضي الفلسطينية.
طبعاً وقد اعتدنا على مساندة الغرب الاستعماري لمطامع الكيان ووحشيته لأنه امتداد طبيعي للغرب الاستعماري الذي بنى قوته وتفوقه أيضاً على الإبادة والمجازر لتأمين مصالحه.
أما عن هذه القناة المزعومة فهي مخطط دولي كبديل عن خط الحرير التاريخي من الصين والشرق الأدنى إلى أوروبا، فهذا الطريق إن نجح يمر بحراً من المحيط الهندي إلى الفرع الآخر من البحر الأحمر وتفتح القناة المزعومة إلى البحر المتوسط ومن ثم إلى كل أوروبا.
الباحث ميني: حرب غزة لها دلالات في الزمان والمكان كموقع وتموضع وجغرافيا وإذا ما نظرنا إلى عملية المقاومة في 7 تشرين الأول الماضي نراها مدروسة بتوقيتها وأهدافها
وإذا وضعنا خريطة العالم أمامنا وترتيب الحروب بما يتفق والأهداف الأميركية وعملائها في العالم، نرى الحرب الروسية – الأوكرانية التي تهدف إلى عزل روسيا عن أوروبا وذلك لتتفرد الولايات المتحدة بتزويد أوروبا بالطاقة اللازمة.
والحرب على اليمن هي من الحروب التي تخدم المشروع الاستعماري العالمي لتأمين مضيق باب المندب، وكيان العدو لديه نفوذ في المندب بالتنسيق مع جيبوتي وإثيوبيا، والحقيقة أن الكيان الصهيوني ينفذ جزءاً من مخطط عالمي للسيطرة الاقتصادية على العالم وسرقة ثرواته.
وعلى مستوى الزمان، فإن التوقيت الذي قامت وأعلنت فيه الحرب على غزة مدروس لانشغال المنطقة بعدة نزاعات واضطرابات بالتزامن مع تطبيع قطعَ أكثر من محطة، وإشغال الشعوب بمخاطر تكتيكية مبنية على أساس طائفي أو ديني وفق أجندة أميركية- صهيونية.
وفي النهاية الدفاع المشروع هو حق للشعب الفلسطيني دون غيره، وما قامت وتقوم به المقاومة هو الفعل المشروع الوحيد للدفاع عن النفس والأرض والوجود.
خطوة استباقية
رئيس الأمانة العامة للثوابت الوطنية الدكتور حسام الدين خلاصي وجد أن المعركة في غزة التي بدأتها المقاومة الفلسطينية في ٧ تشرين الأول الماضي، توضح أنها كانت استباقية لتوقع لديها بأن العدو الصهيوني بيّت النية على اجتياح غزة وتهجير سكانها إلى مصر والأردن تجهيزاً لواقع جغرافي جديد يخدم مشروعات النفط والغاز، وضرب مشروع «طريق الحرير» في عمقه عبر تنفيذ قناة «بن غوريون» ومشروع بايدن المسمى «الممر الهندي».
وبهذا الاستباق للحدث امتلكت المقاومة زمام المبادرة وحق إدارة المعركة، وما سبق اعترف به قادة الكيان ووسائل الإعلام الصهيونية وهذا أكثر السيناريوهات الأقرب للتصديق بحيث تتوافق المصلحة الفلسطينية مع مصالح محور المقاومة ومحور الصين – روسيا.
وعلى العموم وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتدخل بكامل ثقلها لأهداف عدة:
1- حماية الكيان الصهيوني من الحرب الشاملة عليه من كل الجبهات.
2- حماية قواعدها المنتشرة في المنطقة.
3- حماية مشروع بايدن الذي بدا أنه سيتلاشى مع انتصار المقاومة في غزة ومع تبخر حلم التهجير من غزة.
د. خلاصي: المقاومة الفلسطينية أقدمت على خطوة استباقية في غاية الأهمية وربما كانت تتوقع أن الكيان بيّت النية لاجتياح غزة وتشكيل جغرافيا جديدة تخدم مخططاته فيما يخص مسارات واستثمارات النفط والغاز
من هنا وعلى الضفة الأخرى وجدنا تبني محور المقاومة للفعل النضالي لحركة المقاومة في قطاع غزة، وبدأت الجبهات البعيدة والقريبة بالتحرك سواء في الضفة الغربية أم اليمن والعراق وسورية ولبنان بالعمل العسكري المدروس والمتدرج والمتصاعد في آن معاً، ما يساند ويعزز من انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة ويخفف عنها هول جرائم الكيان.
وأطلت روسيا والصين بالدعم عن بُعد نظراً لأن الموقف معقد، ولأن واشنطن تستنزف طاقاتهما في الإقليم وهذا بحد ذاته مكسب روسي في أوكرانيا ومكسب اقتصادي للصين وسلة ادخار لها للمستقبل.
أما إيران فلديها كل الجاهزية للرد على أي عدوان صهيوني أو أميركي عليها، خاصة أن كلا الكيانين الأميركي والصهيوني يلوحان دائماً بدور إيران في دعم حركات المقاومة.
وفي ظل كل هذه التبدلات أتت كلمة السيد الرئيس بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في قمة الرياض «القمة العربية الإسلامية الطارئة» كالضربة الصاعقة على رؤوس من سلم أو تقاعس أو تنطع لوقف الحرب على غزة.
وبذلك يكون محور المقاومة يلازم خطابه السياسي ونشاطه المقاوم، وفكرة وحدة الساحات بدأت تتبلور أكثر فأكثر.. السكاكين شحذت والعدة أُعدت ولكل مقام مقال ولا بديل عن انتصار غزة.
تأسيس لتاريخ مفصلي
الباحثة المهندسة مريم جودت فيوض رأت أن العمل البطولي الذي قامت به فصائل المقاومة في السابع من تشرين الأول يؤسس لتاريخ مفصلي ليس على صعيد القضية الفلسطينية والمنطقة فحسب، بل على صعيد العالم لناحية الصراع العالمي، ولناحية إنهاء أحادية القطب التي كان لها من التداعيات السياسية والاقتصادية الأثر البالغ السوء على جميع بلدان وشعوب العالم.
الباحثة فيوض: الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة تتعدى مسألة الرد على ما جرى في 7 تشرين الأول الماضي.. إنه صراع وجود ولا بديل عن هزيمة هذا الكيان
فما يحدث اليوم هو أحد هذه الإسقاطات الأساسية لهذا الصراع في بقعة جغرافية تعد الأهم والمركز في هذا الصراع لناحية إعادة رسم الجغرافيا بما يناسب الهيمنة التي تحاول الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الاستعماري فرضها لوقف النمو الاقتصادي لدول الشرق وعلى رأسهم الصين وروسيا، ومنع هذا المحور من إعادة إحياء طريق الحرير.
إن حرب الإبادة التي يشنها اليوم العدو الاسرائيلي على قطاع غزة وأهله تتعدى مفهوم الرد على عملية بطولية للمقاومين الأبطال لتنكشف للعالم أجمع حقيقة هذا الكيان الغاصب الذي أوجده الغرب الاستعماري لتنفيذ سياساته الاستعمارية في المنطقة الأهم على صعيد العالم والتي تهدف اليوم إلى إيجاد طريق الهند- أوروبا عبر أراضي غزة، وإنشاء قناة اقتصادية بديلة عن قناة السويس وهذا حقيقة ما يجري اليوم، لذا هو صراع وجود أكثر من أي يوم مضى، لذلك لا بديل عن هزيمة هذا الكيان.
اقرأ أيضاً: