كثيرة هي القضايا التي لا يتم التنبّه لمخاطرها وعدم جدواها إلا بعد أن يستفحل خطرها وتصحو الجهات المسؤولة لتكتشف أن المشكلة اتسعت، وأن الآثار كبرت وأصبح من الصعب حلّ تداعياتها.
فمثلاً امتدت زراعة النخيل “الريشي” في كل المنصّفات بالطرقات وأطرافها وفي الحدائق كلها، ولا ندري من شجّع هذه الزراعة، وما هو الهدف من نشر عشرات الآلاف من الأشجار التي كلما نمت تتطاول عموداً لا ورق فيه وتعلوها عدة أوراق تحلّق عالياً أمتاراً عديدة، ولا ثمر لهذه الشجرة ولا ظل لها؟. الآثار السلبية لهذه الأشجار يتوّجها أنها ذات جذور غير عميقة وتصبح خطراً أثناء العواصف ويمكن أن تسقط بسهولة وتؤذي السيارات والأبنية المجاورة.
تخيّلوا أن هذه الأشجار، التي لا يرى أوراقها جار لها ولا مارّ في الطريق، وما نراه فقط هو أعمدة سوقها العالية، لو كانت مكانها أشجار حمضيات، أو زيتون، أو “شجر الشمسية” العالي الاخضرار، كم كانت الشوارع جميلة، وكم ساهم ذلك بنقاء الهواء؟ لأن الأوراق الخضراء هي التي تمتص الكربون وتنشر الأوكسجين، أما هذا النوع من الأشجار فيمكن زراعته في الصحاري والبيداء.
نتساءل لمَ لم يتم الإقبال على زرع النخيل المثمر، وهو يناسب بارتفاعه وكثافة أوراقه وجماليته المنصفات وجوانب الطرقات؟ ولِمَ لا يتم التعامل مع الأشجار الموجودة من النخيل والقيام بعملية التلقيح المسمّاة بالتأبير عليها لتصبح مثمرة؟
القضية، عدا عن الجمالية، فهي اقتصادية كبيرة، وشوارعنا ومنصفاتنا وحدائقنا تنادي الأيادي الرحيمة والخبيرة لتعمل على الاستفادة من آلاف الدونمات التي تضيع بهذا الزرع غير المفيد، وإضاعة الأموال والكلف العالية بشراء الفسائل غير المثمرة وغير المفيدة ونشر أنواع من الشجر مؤذية وتحتاج إلى عناية ورافعات لتقليمها. ربما تصلح للغابات وطرقات السفر ولكنها لا تصلح للمدن.
نأمل العمل على البدء بمشروع استبدالها وتعاضد وزارتي الإدارة المحلية والبيئة والزراعة والمجتمع الأهلي، في هذا المسار ودراسة الأنواع التي يمكن زراعتها في المنصّفات، ومن أهم شروطها عدم الارتفاع أكثر من مترين لنشر الظلّ الذي يحتاجه المارة وتنقية الهواء وللتوفير اقتصادياً، ووفق معايير تشجير المنصّفات والطرقات والنور المحدد لذلك.
نحتاج إلى البدء بمشاريع تتكامل دراساتها مع مختلف الخبرات والمسؤوليات، وتلبّي الاحتياجات وصولاً إلى حماية ننشدها في مدن كانت الأجمل.