«طوفان الأقصى» و«المعمداني» يغرقان الهيكل
تشرين- د. منذر علي أحمد:
سأل الوليد بن عبد الملك أباه مستنصحاً: “يا أبت، ما السياسة؟ قال: هيبة الخاصة مع صدق مودتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها”. لم يكن هذا القول عبثياً وفق مجريات مايحدث في بحث عدد كبير من المهتمين حول العالم عن عملية “طوفان الأقصى” التي جاءت تلبية لما يعتمل في قلوب الشعوب العربية من رغبة في رؤية أنف ذلك المحتل يمرغ في التراب، ولم يستفق العدو من الصدمة بعد، رغم كل إجرامه وعدوانه وجنونه الواضح في المجازر التي ينتقم فيها من الفلسطينيين جميعهم، في هذا الطوفان المبارك خسرت ما تسمي نفسها “إسرائيل” زمام التحكم في توقيت شن اعتدائاتها وتحديد ساعة صفر هجماتها، ويبدو أنها إذا ما استمرت في عدوانها ستخسر أيضاً قدرة التحكم بعدد الجبهات والجهات التي ستواجهها.
أعادت تلك العملية إلى الذاكرة مجريات حرب تشرين التحريرية والنصر الذي حققه وحدة الصف والتنسيق العربي على جبهات عدة، ونتج عنه تحريرعدة مواقع وتكبيد العدو خسائر كبيرة وغير مسبوقة، هي اليوم المجريات ذاتها، فسياسة “إسرائيل” واحدة لم تتغير رغم تلون الأساليب وتحديثها.
لم تطل مدة الصمت “الاسرائيلي” بعد بدء عملية طوفان الأقصى، ولكن بخلاف المرات السابقة بدأت ردات فعله تأخذ طابعاً هستيرياً تمثل باستهداف عشوائي لكل ما تطاله يده من حجر وبشر غير آبه بصرخات المدنيين العزل والأطفال الأبرياء، لتسجل في تاريخه الدموي واحدة من أحقر وأشنع المجازر التي يرتكبها الاحتلال “الإسرائيلي” بحق أهل فلسطين، بقصف مستشفى المعمداني في مدينة غزة ما أدى لاستشهاد المئات معظمهم من الأطفال والنساء إضافة إلى مئات الإصابات، وسط ضوء أخضر دولي “لإسرائيل” للاستمرار في هجومها ضد سكان غزة المحاصرين المحرومين من الماء والغذاء والكهرباء والدواء، ولا تزال سلطاتها المحتلة المجرمة ترتكب المجازر كل ساعة يحق الفلسطينيين.
الهدف ليس مجرد قتل أبرياء بقدر ما هو استعراض لجنون القوة و تبيان للدعم الخارجي اللا محدود، ومحاولة لسحب محور المقاومة والعرب بما فيها المقاومة في جنوب لبنان وسورية لمستنقع الحرب التي تريد أن تتحكم “إسرائيل” في زمام مكانه وزمانه، لكن الطرف المقاوم لم تعد تخفى عليه تلك السياسة، وبدأ يمارس سياسة كسب الوقت بهدف إغراق “إسرائيل” أكثر وأكثر في الخسائر التي ستحتم انهيارها، وأولى علامات هذا الانهيار هو ما بدأت تشير إليه التقارير السياسية والاقتصادية من انهيار وتراجع للشيكل “الإسرائيلي” الذي سجل هبوطاً لأدنى مستوياته منذ ثمانية أعوام، كما قالت إسرائيل إن عدد قتلى الهجوم الذي شنته حركة حماس بلغ نحو 1400 قتيل، ففاتورة الحرب ستكون باهظة على شبه الدويلة، وهو ما تريده المقاومة؛ العمل على دفعها وإغراقها أكثر قبل سحقها بإعلان ساعة الصفر المحتمة.
ويعرف الجميع أن هذه الضربات بحجمها ونتائجها العسكرية لها انعكاسات خطرة على مستقبل الشتات “الإسرائيلي” الذي أسقط رجال المقاومة كل أساطيره من “الجيش الذي لا يقهر”، كما يعرف الجميع أنَّ حكام الكيان سوف يستنفرون كل إمكانياتهم لإنقاذ المجتمع الصهيوني من سقوطه النفسي المدوي بعدما وصل رجال المقاومة إلى منازلهم وثكناتهم وقواعدهم ومستوطناتهم وكومبيوتراتهم وبياناتهم، وهم بانتظار إعلان ساعة الصفر بفارغ الصبر، والمعلومات الأولية تتوقع هروباً جماعياً من الكيان لخارج مستوطناته وخارج فلسطين المحتلة خوفاً من الحرب الشاملة المقبلة بلا محالة، فكل الاحتمالات قائمة فإسرائيل تدرك بأن لدى إيران من القوة ما يكفي لردع العدوان الصهيوني، وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بنيويورك لوكالة «رويترز» للأنباء: «القوات المسلحة الإيرانية لن تشتبك مع إسرائيل؛ شريطة ألا تغامر منظومة الفصل العنصري الإسرائيلي بمهاجمة إيران ومصالحها ومواطنيها. جبهة المقاومة تستطيع الدفاع عن نفسها». في الوقت الذي يعرف الجميع الاستنفار على كافة الجبهات المحيطة بإسرائيل، يبقى الرهان في حال تطور الأمور على موقف أحرار العالم والشعوب العربية الحرة وبعض الأنظمة العربية.
استمرار العدوان الصهيوني سيقود عاجلاً أم آجلاً إلى توحد كل تلك الجبهات وفتحها معاً في وجه ذلك الغاصب، وهذا ما تخشاه إسرائيل لأن ذلك يعني نهاية الحلم والنظرية الصهيونية التي جاء من أجلها يهود الشتات إلى فلسطين منذ عقود طويلة، وقد أثبت “طوفان الأقصى”، مهما كانت نتائجه أليمة على أبناء غزة، أن الكيان الصهيوني في طريقه إلى الزوال.
كاتب وباحث أكاديمي