المجتمعُ الدوليُّ يلتفُّ وينمّق الكلمات.. والطوفانُ على توقيت «المعمداني»
تشرين- هبا علي أحمد:
ماذا يمكن أن نقول لأبٍ أودع طفله في مشفى «المعمداني» في غزة ليتعالج من آثار الوحشية الصهيونية، وإذ به يفقده؟!.. ماذا يمكن أن نقول لطفل يلقن شقيقه الشهادة، وكأنهم في لعبة طفولية تنتهي بأن يعود الشقيق إلى الحياة؟.. بماذا يمكن أن نعزّي نساء وأطفال غزة وجميع أهالينا هناك، وهم ينتشلون من تبقى من ذويهم وفلذات أكبادهم إن استطاعوا الوصول إلى أثرهم، فالوحشية الصهيونية نسفت كل الكلمات والتعابير، وتجاوزت الحدود، وأظهرت أعلى درجات الصلف بقصف المشفى في مشهد ليس جديداً على وحشية الكيان، ولن يُنسى، أو يُمحى من ذاكرة الفلسطينيين ومن ذاكرة الشعوب العربية المناصرة دائماً للقضية الفلسطينية.
المجتمعُ الدوليّ أمام مسؤوليّة كبيرة، لكن السؤال أيّ مجتمعٍ دولي؟.. وهو مسؤول وعلى نحو مباشر عن قصف «المعمداني» بصمته عن جرائم العدو الصهيوني
أطفالٌ ونساء وشباب وشيوخ، وهم مرضى وجرحى، ومنهم من يلفظ أنفاسه الأخيرة أرعبوا العدو، وحوّلهم بفعل إجرامه إلى أرقامٍ تُعد، ويرتفع عددها في مشهد حتى تعبير الألم لا يفيه حقه، ولا تسعفه الكلمات.. مشهد عرّى الصهيونية تماماً العارية أساساً، وعرّى معه الغرب – الأمريكي المتصهين الداعم والمساند والمموّل لجرائم المحتل الصهيوني، منذ أن وطئت قدماه أرض فلسطين المباركة، الغرب الذي يتعامى دائماً عن صور الأطفال الذين ارتقوا شهداء بفعل آلة الحرب الصهيونية، ويصمّ أذنيه عن المطالبات والاستغاثات الفلسطينية، ويغمض عينيه أمام مشهد أطباء المشفى، وهم يناشدون من بين جثث الأبرياء، ويبتلع لسانه، في حين يسمع الاستجداء الإسرائيلي ويعلي صوته لحماية كيانه اللقيط و« يرغي ويزبد»!!.
اليوم، المجتمعُ الدوليّ أمام مسؤوليّة كبيرة، لكن السؤال أيّ مجتمعٍ دولي؟.. وهو يعد أساساً المسؤول، وعلى نحو مباشر، عن قصف مشفى «المعمداني» بصمته عن جرائم العدو الصهيوني، بل ومباركته لها، و«تسطيحه» للكارثة والمأساة .. فسريعاً تبنت الولايات المتحدة الرواية الصهيونية بخصوص قصف المشفى، لتتحول هذه الكارثة الإنسانية التي تعدّ جريمة حرب، من المفترض أن يُحاسب عليها المجتمع الدولي، لتتحول على لسان الجلاد إلى مجرد «انفجارٍ»، وتتحول المقاومة الفلسطينية إلى «جلاد» والصهيوني إلى «ضحية».
الإدانات الغربية لا تزيد المجرم إلا إجراماً.. إدانات تبتعد بقدر ما يمكنها عن الحقيقة، ولا تسمّي الأشياء بمسمياتها وهدفها واضح لجهة حماية صريحة فجة للكيان وتبرأته من الجريمة
المجتمع الدولي الذي نتحدث عنه، ونقصده، على نحوٍ خاص الولايات المتحدة وأتباعها، أراد التستر على موقفه غير الإنساني وغير الأخلاقي الموصوم به دائماً وإظهار «التعاطف» بحفنة كلمات وتصريحات في إخلاء واضح من المسؤولية، وربما لاحتواء غضب شعوبهم في ظل تأييدٍ لا بأس به للقضية الفلسطينية في الشارع الأوروبي والأمريكي.
الرئيس الأميركي جو بايدن «يشعر بالغضب والحزن العميق إزاء الانفجار الذي وقع في مستشفى «المعمداني» في غزة، وما نتج عنه من خسائر فادحة في الأرواح»، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل تذكر فجأة أن هناك قانوناً دولياً، قائلاً: إن قصف إسرائيل مستشفى في غزة، والحصار الشامل للقطاع الفلسطيني «لا يتماشى مع القانون الدولي»، في حين كتب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل على حسابه عبر منصة «إكس» إن الهجوم على مستشفى غزة هو «مأساة تتكشف أمام أعيننا».
أما بريطانيا ربيبة «وعد بلفور» فقالت إنها تراقب التقارير التي تتحدث عن «غارة واضحة للعيان» استهدفت مستشفى في غزة، واكتفى وزير خارجيتها بالقول: هدم المستشفى الأهلي في غزة يعني خسارة فادحة في الأرواح البشرية»، في حين طالبت سويسرا بإجراء تحقيق شاملٍ في الهجوم «الدامي» على مستشفى المعمداني في غزة، كما ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «بالهجوم على المستشفى الأهلي العربي في غزة الذي راح ضحيته الكثير من الضحايا الفلسطينيين.. قلوبنا معهم.. ويتعين كشف الملابسات»، في حين وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القصف الذي طال مستشفى في غزة بأنه «مرعب»، وأكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن الأخبار الواردة عن قصف «إسرائيل» مستشفى«المعمداني» كارثية، وقال إنه «أمر فظيع وغير مقبول».
الإدانات السابقة لا تزيد المجرم إلا إجراماً.. إدانات باردة وسطحية تبتعد بقدر ما يمكنها عن الحقيقة، وتلتفّ وتنمّق الكلمات، ولا تسمّي الأشياء بمسمياتها الحقيقية وصورتها الواضحة للعيان في حماية واضحة وفجة للكيان الصهيوني وإخلائه من المسؤولية.
مجزرة المشفى لن تمرّ.. فهناك من يُحاسب على امتداد الإقليم جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني، والطوفان الحقيقي الشامل ربما لم يبدأ بعد، لكن ساعته دقّت
الحقيقة، أن تلك الإدانات تتماشى تماماً مع الرواية الصهيونية التي ألقت التهمة على المقاومة الفلسطينية، وهي رواية كاذبة عبر«بروباغندا» مفضوحة يحاول من خلالها كيان الاحتلال التنصّل من المسؤولية خوفاً من التداعيات المحتملة، فهذه المجزرة الوحشية يمكن عدها نقطة تحوّل جديدة في سياق الصراع مع العدو الإسرائيلي، كما هي نقطة تحوّل في سياق معركة «طوفان الأقصى» فما قبلها ليس كما بعدها، ليس في الداخل الفلسطيني، بل على امتداد الإقليم، وربما فتحت الباب واسعاً أمام مواجهة لن تكون في مصلحة الكيان الصهيوني وداعميه في أي حال من الأحوال، فلا مجال لوقت إضافي، لأن الوقت الممنوح للصهيوني للجم وحشيته وإجرامه انتهى. المجتمع الدولي لن يُحاسب الكيان الصهيوني، لا اليوم ولا غداً، ومن المؤسف أن نقول ذلك، لكنها الحقيقة، فالمحاسبة تستدعي أولاً تغيير المنظومة الدولية التابعة للهيمنة الأمريكية- الغربية وسطوتها، لكن في المقابل، مجزرة المشفى لن تمرّ مرور الكرام فهناك من يحاسب على امتداد الإقليم جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني، والطوفان الحقيقي الشامل ربما لم يبدأ بعد، لكن ساعته دقّت على توقيت مشفى «المعمداني»، وما على الكيان الصهيوني إلّا الترقّب.