ملف «تشرين».. خلل آليات الرقابة على عمل المجالس فتح الباب واسعاً أمام ممارسات الفساد المُعلن.. وخبراء يقترحون معالجات “جراحية”

تشرين- ميمونة العلي:

أجمع من التقتهم “تشرين” في حمص على وجود فساد في عمل الوحدات الإدارية بمختلف تراتبياتها، لكنهم اختلفوا في التصريح بذلك، فقد اعتذر بعض الشاغلين للكراسي عن المشاركة في ملف (الفساد في الوحدات الإدارية) لأسباب خاصة تتعلق بمهامهم الحالية خوفاً من ردة فعل الناس على تصريحاتهم وأنها ستسلط الضوء على عملهم الحالي وهم بغنى عن ذلك كما زعم بعضهم، مفضلين البقاء في الظل لأن ردود فعل الناس في ظل «فيسبوك» غير قابلة للضبط وسيوسعونهم تعليقات غير مسؤولة وأنه لا وقت لديهم لفتح صفحاتهم على «فيسبوك» والرد على تعليقات الناس؟!
كما اعتذر بعض من انتهت مهمته في المجالس المحلية بذريعة أنه كان الأجدى أن يتكلم عن الفساد عندما كان شاغلاً للكرسي وليس بعد الانتهاء رافضاً حتى تعداد الإنجازات – إن وجدت – لغاية في نفس يعقوب وليس خشية من أن تطبق بحقه محاسبة اجتماعية على الأقل من أين لك هذا؟!

الفساد الأكثر انتشاراً في المجالس المحلية هو بإدخال شرائح

للتنظيم أو بتعديل نظام ضابطة البناء وفق مصالح ضيقة؟!

ورأى القاضي العقاري محمد شحود أن الفساد في عدم توسيع المخططات التنظيمية وضرورة توسيعها بحيث تسبق حركة البناء فالمواطن يفضل دفع مليون ليرة كرسوم على أن يدفع نصفها ليبني بشكل مخالف عدا التبعات الفنية التي تؤدي إلى ظهور أبنية تفتقد السلامة الإنشائية، حيث يضطر المحتاج للبناء بشكل مخالف إلى الانتهاء من (الصبة) في يوم واحد حسب تصريحه، ما يجعل البناء أقل متانة وهذا ما يؤدي إلى انهيار أبنية مخالفة من أول هزة. ويضيف: يجب تمكين الناس من البناء غير المخالف بتوسيع المخططات لنقضي على الفساد.
تطبيق القانون بتعيين مدير بلدة ضمن الملاك
وأوضح رئيس بلدة حديدة سابقاً إياد منصور أن القانون ١٠٧ أعطى هوامش كبيرة كإمكانية ترخيص شركة قابضة في كل وحدة إدارية، ومن الثغرات في تطبيق هذا القانون أن هناك وظائف أدرجت لم يتم تطبيقها مثل تعيين مدير وحدة إدارية من الفئة الأولى ثابت على ملاك الوحدة الإدارية بقرار وزاري، ولم يطبق ذلك إلا على مستوى المحافظة ولو طُبق على مستوى البلدان والبلديات لتم تلافي الجهل بالقوانين الإدارية والمالية لدى بعض رؤساء الوحدات الإدارية الذين لا يحملون شهادات علمية تؤهلهم للتعامل مع القضايا القانونية والملفات الفنية، حيث لم يشترط قانون الإدارة المحلية الشهادة العلمية للترشح للمجلس، وبالتالي فإن وجود مدير للبلدية من الفئة الأولى على ملاك البلدية بصفة إدارية دائمة سيجعل العمل يدار بعقل المؤسسة وليس بعقلية الفرد.
ولطرح أمثلة تقرب الأفكار النظرية أوضح منصور أن إيرادات المكاتب والعيادات التي بناها على أرض فارغة تعود ملكيتها لبلدة حديدة التي ترأس مجلسها لدورتين سابقتين كانت تغطي ٤٠٪ من موازنة البلدية وأنه تم استثمار بعضها كمقر للنافذة الواحدة التي تم إحداثها لهذا العام، في حين هناك بلديات استأجرت مقراً للنافذة الواحدة، مشخصاً المشكلة بأن المجالس غالباً تدار بعقلية الأشخاص وليس بعقلية المؤسسات، فرئيس الوحدة الإدارية الجديد ينسف عمل سابقه وهكذا تُفوت الفائدة على الجميع.
وأوضح أن التفتيش الدوري على البلديات يتم سنوياً بعد نهاية العام المالي، وبصراحة يعرفها الجميع يأتي التفتيش لتبدأ المفاوضات والتحاصص بعد أن يكون قد انتهى العمل أو كما يقال بالعامية “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب” بينما العمل الصحيح أن يتم التفتيش على مراحل لمنع ارتكاب الأخطاء أو على الأقل للحد منها.

غالباً ما تدار المجالس بعقلية الأشخاص وليس بعقلية المؤسسات

فرئيس الوحدة الإدارية الجديد ينسف عمل سابقه

وبيّن أن نظام ضابطة البناء يوضع لتنظيم المخالفات وتطبيقه مستحيل لأن تحقيق نظام وجائب ٣٠٪ من المساحة المبنية يعني هدم هذه النسبة والهدم يحتاج إلى استملاك وليس لدى البلديات إمكانيات لذلك، وتسوية المخالفات تبقي على الأجزاء المكتسحة وهذه حال نسبة كبيرة من العقارات في سورية، وفي حال تم تطبيق نظام ضابطة البناء ستكون هناك أضرار كبيرة وكلف عالية، فالبلدية غير قادرة على الاستملاك كما ذكرنا، والحل كما يرى منصور أن الأبنية القائمة تسوى على وضعها، ففي كل بلدان العالم هناك شيء اسمه البلدة القديمة، وينتقل البناء إلى التوسعات والضواحي المنظمة التي تطبق نظام ضابطة البناء، على أن يتم التوسع بالمخططات في الأراضي الفارغة المعدّة للبناء من الناحية القانونية والفنية بعيداً عن الأراضي الزراعية فيما يتعلق بالتوسع الأفقي، ويرى وجوب تشجيع التوسع الشاقولي لأنه لا يحتاج سوى لتعديل نظام ضابطة البناء ولا يحتاج لتوسيع مخطط فهو منظم سلفاً، فالناس يريدون أن يبنوا ويعيشوا، ورأى عدم جدوى نقل صلاحية التعديل على المخططات من ممثلي اللجنة الإقليمية في كل محافظة إلى المجالس المحلية، حتى لو كان أهل مكة أدرى بشعابها، بل الحل بتوسيع المخططات وفق ضوابط صارمة وخطط معينة تلبي المجتمع للقضاء على أكثر من ٤٠٪ من الفساد في البلديات، فهناك شرطان يحكمان توسيع المخططات إما نسبة امتلاء 75% أو مضي 25 سنة على آخر توسع والثغرة الحاصلة هي التوسع في مناطق لا تتجاوز نسبة البناء فيها 40% وفق لعبة قانونية وهي إضافة شرائح إلى التنظيم وفق مصلحة معينة كما أوضح منصور، مضيفاً: إن الفساد الأكثر انتشاراً في المجالس المحلية هو إما بإدخال شرائح للتنظيم أو بتعديل نظام ضابطة البناء وفق مصالح ضيقة وفي حال ورود شكاوى ستكون العقوبة الإعفاء من المهمة فقط من دون المحاسبة. وأضاف: إن الثغرة الفجة الماثلة للعيان هي في رئيس المكتب الفني في البلديات فهو على الأغلب ليس من ملاك البلدية بل يندب من الخدمات الفنية غالباً ولأنه ليس من أبناء المنطقة وليس من ملاك البلدية، فإنه يطلب نقله عندما يواجه أي مساءلة فهو سلطة متحركة مثله مثل رئيس البلدية، والحل هنا كما يرى منصور بتوسيع الملاك العددي للبلديات وأن يكون ضمن الملاك مدير للبلدة ورئيس مكتب فني، منوهاً إلى ضرورة أن يكون التفتيش المالي مرافقاً للتفتيش الفني، إذ يراقب جودة التنفيذ وجودة المواد وكمياتها لأن التفتيش المالي فقط يدقق في أوامر الصرف والإضبارة المالية للمشروع وليس هناك من يدقق التنفيذ الفني، واللجان الفنية المشكّلة من وزارة الإدارة المحلية أو من التفتيش لا تشكل إلا عقب شكوى، فتنفيذ أي مشروع في البلديات تحكمه ثلاث جهات هي البلدية والمكتب الفني والمتعهد وهؤلاء شركاء في كل شيء، لذلك مجرد وجود رقابة فنية على المشروعات يرفع سقف الأمان بنسبة 50% لأن ذلك سيكون بمنزلة عامل ردع.

يجب أن يكون التفتيش الفني مرافقاً للتفتيش المالي وليس عقب الشكاوى فقط؟!

وعن مشروعات الإفراز المتوقفة منذ سنوات بعد أن تم جمع مبالغ مبدئية من المجالس المحلية أوضح منصور أن مشروعات الإفراز ليست مشروعات تنموية لأنها تعني أن تبيع البلدية أملاكها لا أن تستثمرها وهي مشروعات تعود بالنفع العام، نعم لكن يجب البحث عن مشروعات متجددة المردود مثل مشروعات الطاقة الشمسية أو غيرها من المشروعات حسب خصوصية كل منطقة وأن مشروعات الإفراز تعثرت في الأملاك الخاصة التي يمتلكها أكثر من مالك وفق القانون رقم 9، أما مشروعات الإفراز التي نجحت واكتملت فهي تلك التي تمت في أملاك الدولة أو التي يملكها شخص واحد وهي مشروعات شبه مفرزة مسبقاً، موضحاً أن المشكلة دائماً في تطبيق القوانين وليس في القانون بحد ذاته فقوانين الإدارة المحلية مرتبطة بوزارات أخرى مثل الزراعة والدفاع ومرتبطة بالقانون الأساسي للعاملين في الدولة وقانون العقوبات.
وختم حديثه بأن أغلب الملكيات في سورية على الشيوع والمشكلة تتفاقم مع الزمن.

مكتب لمراقبة الموازنات والعقود
ولفت عضو مجلس الشعب د. بسام المحمد إلى أن القانون ١٠٧ جيد ويعطي مجالات واسعة والمشكلة في التطبيق، واقترح م.أكرم قليشة رئيس مجلس مدينة تلكلخ سابقاً للحد من الممارسات السلبية في عمل المجالس بأن يتم تشكيل مركز ضمن كل منطقة يسمى رئاسة اتحاد مجالس مدن وبلدات وبلديات المنطقة يوجد ضمنه مكتب مراقبة عمل المجالس المحلية التابعة للمركز وتوجيهها، وتشكيل مكتب مالي من ذوي الخبرة لمراقبة الموازنات والعقود وكل الأمور المالية وكذلك تشكيل مكتب فني يشمل مهندسين وفنيين من ذوي الخبرة لتتبع المشروعات والأمور الفنية والخدمية للوحدات المحلية وعقد اجتماعات دورية من رئيس اتحاد المجالس مع رؤساء المجالس التابعة له وطرح كل المشكلات التي تعترض عمل المجالس واقتراح الحلول المناسبة لها.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. إجراءات تشهد على الفساد.. إحالة رؤساء مجالس ومكاتب فنية إلى القضاء.. ريف دمشق بين الاعتراف وتوثيق رؤى المعالجة الشاملة لأداء المجالس

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار