جلست على كرسي الحلاق، هذه التي أكرهها منذ نعومة أظفاري، وقد ورثها وحيدي عني، ففي صغره كنا ( نجزّ ) شعره، وهو نائم، وفي حالات اليقظة، كان يُسمع بكاؤه إلى مسافات بعيدة.. المهمّ أن ولدنا حفظه الله وحفظ أولادكم، انتقم منا ومن الحلاقين والمزيّنين وأصحاب الصالونات بأن امتنع عن الحلاقة عندما كبر ، وأطال شعره إلى أن استطال، وكاد يسجل رقماً قياسياً كان سيدخله غينيس، لو كان جاداً .
المهمّ، أنه منذ نحو ثلاثة أسابيع قام حبيبنا بقصّ شعره ، وأصبح مواطناً عادياً غير مشكو من (خنافسه) .
على كرسي صديقنا الحلاق اعترفت بأنني أكره الجلوس عليها ، وأكره طقطقة المقصات قرب أذني .. قلت له : لولا كرهي لشعر (النقرة) فإني لن أجلس على هذه الكرسي أبداً.. لأني أشعر بأن جبلاً يقبع عليها .. وأكملت : أعلن أن ذلك لن يخفف من قيمة الحلاقة، خاصة بعد أن رفع الحلاقون أجورهم ، ولولا تدخل نقابتهم لكانوا سيقبضون قيمة الحلاقة وفق أسعار الذهب .
صرخ في وجهي، وكأن أفعى لسعته قائلاً : ( خيو ) كيلو الشنكليش بمئة ألف ليرة .. اليوم ذهبت لأشتري بعض الأجبان والألبان .. فوجئت بهذا السعر المرتفع للشنكليش.
قلت : معك حق .. فقد استعاض أصحاب (البوايك) التي سميت لاحقاً بمزارع الأبقار، استعاض هؤلاء عن تربية الأبقار البلدية بنوعيها الشامي و( العكوش ) وقاموا بتربية الأبقار الهولندية والدانماركية المستوردة .. صحيح أن لها ضرعاً ما شاء الله ينتج حليباً وافراً .. لكن في الوقت ذاته فهي تحتاج إلى أعلاف تختلف عن أعلاف الأبقار البلدية التي كنا نقودها إلى المراعي الخضراء، من دون أي حساب ( للكالوري ) واليود وكل المواد الداخلة في التغذية ، أو ما اصطلح على تسميتها (جاهز أبقار حلوب) التي ارتفعت أسعارها بشكل لافت، ما دفع إلى ارتفاع أسعار الحليب والألبان ، وتالياً الشنكليش .
إنتاج الأبقار البلدية من الحليب هو قليل قياساً بالأبقار المستوردة، لكن فيها من البركة ما يزيد على حاجة عائلة بأكملها من الحليب واللبن والزبدة والشنكليش وتوزيع البقية (نفقة) عن ضرعها .
كلّ هذا تذكرته أمس، وأنا أنتظر نتائج اجتماع مصيريّ ومهمّ .. لكنْ كانت المفاجأة هي تدوير (الأمنيات) وتقليبها ودعمها ، فلاحة وتسميداً ورياً ، ورش ( الكيماوي ) والمبيدات ؛ أي تشغيل الأسطوانة ذاتها منذ عقود .. والنتيجة التي سمعتها ليست أفضل من رائحة الشنكليش ، وهي أطول من شعر ابني الذي يستحق غينيس .. فماذا يستحق المجتمعون .. ؟!