ملف «تشرين».. المجالس المحلية تنفصل عن المجتمع الأهلي في اللاذقية.. غياب التشاركية وضبابية آلية التشبيك بين القانون والتطبيق
تشرين- صفاء اسماعيل- سراب علي:
لا تزال العلاقة بين المجالس المحلية والمجتمع الأهلي تفتقد للتشاركية الحقيقية والمصارحة، وغياب التناغم بين القانون والواقع، لتخسر هذه العلاقة بريقها والهدف المأمول منها بما يرتقي بالواقع المعيشي والخدمي في محافظة اللاذقية، التي تنوء بثقل قائمة طويلة من المعاناة أولها مياه الشرب، والكهرباء، وليس آخرها فوضى الأسعار وسوء حال الطرقات ومعاناة النقل وغيرها من المشاكل المستعصية على الحل في ظل تعاقب المجالس الإدارية التي لم تستطع التصدي لمسؤولياتها و”إخراج الزير من البير”.
التشاركية بين المجتمع والمجالس المحلية تنقصها المبادرات الحقيقية
والخطط القابلة للتنفيذ والعمل بروح الفريق الواحد
وعليه، لا تزال آلية التشبيك بين مجالس الإدارة المحلية والمجتمع الأهلي غير واضحة، وتفتقر للتخطيط الدقيق والتعاون البنّاء الذي في حال تم تطبيقه، سيسهم في إيجاد الحلول لأغلب المشاكل والخدمات التي يعانيها المواطن في اللاذقية
لكن كما يبدو، حسبما يرشح عن واقع الحال الذي يراوح مكانه من تكرار الخيبة الشعبية، سيبقى حال المواطن يعاني ويطالب وينتظر، فيما الحجة الجاهزة عند أعضاء المجالس هي ضعف الإمكانات المادية المتاحة؛ ما يفتح الباب على مصراعيه أمام السؤال عن دور الوحدات الإدارية القادرة على التخطيط والتنفيذ وتنمية الموارد البشرية والمادية، للنهوض بالمجتمع اجتماعياً و اقتصادياً و عمرانياً!؟.
مجالس من دون فعالية.. وانفصال غير متعمد
بيّن عميد كلية الحقوق في جامعة تشرين الدكتور بسام أحمد في حديث لـ”تشرين” أنّ المجالس المحلية ( مجلس المحافظة، مجلس المدينة، البلدة، البلدية) هي المجالس الشعبية التي تجسد الديمقراطية الشعبية، أي حكم الشعب نفسه بنفسه، وفكرة المجالس المحلية هي أن توجد هيئات محلية منتخبة تقوم بإدارة المصالح المحلية ورعايتها من باب أنّ “أهل مكة أدرى بشعابها” لتجسيد إرادة الشعب ومصالحه.
وحسب أحمد، يجب على أعضاء المجالس المحلية تحقيق مصالح القاعدة الشعبية التي انتخبتهم بما يتمتعون به من سلطات إدارية محلية.
وعن علاقة المجالس المحلية بالمجتمع الأهلي، شدّد أحمد على ضرورة الرقابة الشعبية، فالمواطن الذي انتخب أعضاء المجالس يتوجب عليه مراقبتهم، بموجب قانون الإدارة المحلية، وعليه يجب على الأعضاء المنتخبين إقامة ندوات في أماكن عامة لشرح ما يقومون به خدمة للمصالح الشعبية، فالوصول إلى الإدارة المحلية مسؤولية وليس امتيازاً، إذ تم انتخابهم للقيام بأعمال إدارية لتلبية حاجات القاعدة الشعبية وتحسين الواقع المعيشي والخدمي.
ودلل أحمد بأنه إذا قُطع طريق في مدينة اللاذقية نتيجة سقوط شجرة بفعل عاصفة، ليس الوزير هو المعني بحل المشكلة، وإنما مجلس مدينة اللاذقية باعتباره الجهة المعنية والمنتخبة والأقرب إلى الواقع، بالإضافة لقضايا الصرف الصحي، المياه، الكهرباء، التعليم، المدارس، فمهام المجالس المحلية إدارية بعيداً عن الأمور التشريعية والسياسية لأن ليس لهم علاقة بها.
وإذ أكد أحمد وجود انفصال أكيد بين المجالس المحلية والأهالي، فإنه عزا الانفصال إلى خلل تفعيل قانون الإدارة المحلية وقربه من الناس، وعلى الأعضاء المنتخبين إدراك أن وصولهم للمجالس المحلية مسؤولية، في ظل مواجهة ضعف الإمكانات لتجسيد المصالح الشعبية، ومن هنا يأتي ضعف التواصل مع الأهالي.
تعزيز التواصل مع القاعدة الشعبية عبر الندوات المفتوحة والمخاتير
ويرى أحمد أن الإدارة المحلية تعاني أزمات كثيرة، مالية وحتى إدارية، وعدم إحاطة الأعضاء المنتخبين بمهامهم، وضعف التنسيق بينهم وبين الحكومة المركزية، مشيراً إلى حاجة المجالس للدعم المالي من الحكومة للارتقاء بالواقع الخدمي.
كما أشار أحمد إلى أن قانون الإدارة المحلية القديم، قبل التعديل، كان ينص على انتخاب ثلثي أعضاء المجالس المحلية، وتعيين الثلث بناء على الكفاءات، ويعد أفضل من القانون الجديد الذي ينص على انتخاب جميع الأعضاء، مستنداً في رأيه إلى أننا لم نصل بعد إلى درجة الوعي لإيصال الأفضل والأكفأ إلى المجالس المحلية، مدللاً أنه إذا تم انتخاب مجلس فيه 20 عضواً وليس بينهم مهندس، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى مهندس ينفذ صرفاً صحياً، أو حديقة، أو شارعاً.
واستند أحمد إلى تجارب غربية، حيث يتم اختيار عمدة أي بلدة، كل عام، بناء على الشخص الأكثر كفاءة والذي استطاع أن يقدم العمل الأفضل خلال العام، للارتقاء بواقع بلدته وتحسين الخدمات فيها ومظهرها الحضاري.
المطلوب، حسب أحمد، تعزيز فرص تواصل الأهالي مع المجالس المحلية من خلال طرق عدة، دلل عليها بأن يكون المخاتير صلة الوصل بين الطرفين، حيث يقوم الأهالي بإعلام المختار بهمومهم ومشاكلهم وحاجاتهم لينقلها بدوره إلى مجلس البلدة، ومتابعتها، حيث يكون لكل وحدة إدارية مكاتب يتم تسجيل الشكاوى فيها مع تعيين تاريخ ورقم لها، على أن يتم تحديد زمن محدد لمعالجة الشكوى والالتزام بذلك.
و يجب ألّا يكون المختار صلة وصل لنقل الشكاوى ومتابعتها فقط، بل يجب أن يحترم قراره، حيث يتم إخباره بوقت محدد لمعالجة مشكلة معينة، ويتم الالتزام بها في الوقت المحدد، مبيّناً أن هذه هي الوسيلة المثلى ليكتسب أعضاء المجالس المحلية المصداقية، إذ يجب أن يكون هناك ولاء وتعاون وحس بالمسؤولية.
الوصول إلى المجالس المحلية مسؤولية وليس امتيازاً..
والإعلام مُطالب بتشديد الرقابة على عمل المجالس
وأكد أحمد أن أعضاء المجالس المحلية لا يرغبون في الانفصال عن المجتمع الأهلي، ولا التنكر للذين انتخبوهم، وإنما هناك خلل في طرق التواصل وتلبية الحاجات، فكيف لهم تحقيق مطالب الشعب واحتياجاته في ظل نقص مادي وإداري، وقد يكون هناك تناقض مع الحكومة المركزية فمثلاً رئيس مجلس مدينة يريد تعبيد طريق والوزير لا يريد.
وشدد أحمد على تفعيل دور الإعلام في ممارسة الرقابة على عمل المجالس المحلية، وأضاف: صحيح أنّ كل حلقة من حلقات المجالس المحلية بدءاً من البلدية إلى البلدية ومجلس المدينة وانتهاء بمجلس المحافظة تقوم بواجباتها حسب الإمكانات، لكن لا توجد فعالية، ولا ثقة من قبل المواطن، فالمجالس لم تحدث تغييراً في واقع المشاكل الأساسية كالمياه والكهرباء وغيرهما.
وأشار أحمد إلى أنّ موارد الوحدات الإدارية ضعيفة في ظل الغلاء والوضع الاقتصادي الصعب، ولذلك هي تعتمد على الدعم المالي من الحكومة.
تنظير يحتاج إلى مبادرات حقيقية
كفى كنعان ناشطة في العمل الاجتماعي، وعضو سابق في مجلس محافظة اللاذقية، أكدت في حديث لـ”تشرين” أن التشاركية بين المجتمع و المجالس المحلية موجودة ومتاحة للطرفين، لكن تنقصها المبادرات الحقيقية والخطط القابلة للتنفيذ والعمل بروح الفريق الواحد لأجل هدف واحد وهو خدمة المجتمع، لكن ما يحصل على أرض الواقع هو عمل فردي، حيث كل جهة حكومية تعمل بمفردها من دون التشبيك والتشارك الفعلي مع بقية الجهات الحكومية ومع المجتمع الأهلي.
وترى كنعان أن التشاركية تتطلب الجهد الكبير والعمل الفعلي على أرض الواقع والترجمة الحقيقية لمتطلبات، والخدمات التي تفيد المجتمع وليس الكلام والتنظير، وأضافت: يفترض على عضو مجلس المحافظة أن يكون على تماس مباشر مع المواطن، وأن ينقل الواقع بإيجابياته وسلبياته، وأن يكون التواصل حقيقياً وليس فقط من وراء المكاتب والاتصالات، التي لا تجدي نفعاً في كثير من الأحيان.
وأشارت كنعان إلى حال ذوي الشهداء عند تكريمهم في أي مناسبة، حيث يقتصر الترتيب لتكريمهم عن طريق مكتب الشهداء الخاص بهم في المحافظة، ونلاحظ غياب التنسيق مع بقية الجهات المحلية والمجتمع الأهلي الذي له دور مهم سواء لناحية اقتراح إمكانية استفادة أكبر عدد من ذوي الشهداء ولأكثر من مرة، ومعرفة ماذا يحتاجون ؟وما مطالبهم؟ و يدرك المجتمع المحلي بأشخاصه و فئاته أن تكريمهم لا يكون بالاحتفال بهم بل بالوقوف على احتياجاتهم و دعمهم عن طريق إيصال المساعدات لهم شهرياً إلى منازلهم، و ليس المجيء لهم إلى القاعات و المدرجات وتكبيدهم عناءً فوق عنائهم و مشقتهم.
ولفتت كنعان إلى أن هناك الكثير من المبادرات يقدمها المجتمع المحلي إذا ما دعمت من قبل المؤسسات الحكومية، وخطّط بالشكل الصحيح لها، واستفاد منها أكبر عدد ممكن من المواطنين في الريف والمدينة.
وأكدت كنعان أن المجتمع المحلي يريد الصدق في الوعود و في التنفيذ، وهو قادر بجميع إمكاناته أن يكون شريكاً فعالاً و فاعلاً مع المجالس المحلية، حيث أعطى القانون صلاحيات واسعة للوحدات الإدارية لتقديم الخطط والبرامج بهدف تحقيق التنمية المادية والبشرية، وتأمين الخدمات والمرافق لكونها الأقرب لهموم المواطنين.
المشاركة في القرار
أكدّ عضو المكتب التنفيذي لقطاع البلديات والخدمات في محافظة اللاذقية المهندس سامر خاسكيه لـ”تشرين” أنه من الضروري مشاركة المجتمع المحلي بكل أعمال وحدات الإدارة المحلية حتى باتخاذ القرار، وهذا ما تؤكد عليه وزارة الإدارة المحلية، مشيراً إلى أهمية دور اللجان المحلية في أي عمل، خاصة في ظل الظروف الراهنة.
ودلل خاسكيه، أنه عند اندلاع الحرائق في بعض المناطق، في الأحوال العادية ولتلافي حدوث هذه الحرائق لا يتوقف الأمر على دور المخافر الحراجية، بل يجب أن تكون هناك لجان من القرى تقوم بمناوبات دورية مستمرة في مثل هذه الأشهر من السنة، وإبلاغ المخافر الحراجية و التعاون مع الوحدات الإدارية.
ضعف الإمكانات المادية لدى مجالس الإدارة المحلية والمجتمع الأهلي أسهم في غياب التشاركية
وأضاف خاسكيه، كما نعلم أنّ عمل المجتمع المحلي هو عمل تطوعي ويساند الوحدات الإدارية في القيام بعملها، ولكن لتشجيع العمل التطوعي نحتاج إلى دورات وندوات و ورشات عمل حقيقية للمواطنين والأهالي في المناطق لتفعيل هذا العمل التطوعي الاجتماعي في كل الأوقات .
ولفت إلى تنظيم وزارة الإدارة المحلية بورشات عمل مستمرة في المحافظة للتأكيد على أهمية تفعيل دور المجتمع المحلي مع الوحدات الإدارية لأي عمل يقوم به الطرفان، وإشراك هذا المجتمع باتخاذ القرار و الحلول .
وأضاف خاسكيه: صحيح تم انتخاب مجالس البلديات من قبل الأهالي، ولكن إذا ما تم توسيع مشاركة المواطنين مع هذه المجالس في اتخاذ القرارات فيمكن الاتجاه منها لمشاريع تنموية أكبر و أوسع وتخدم أكبر شريحة من المجتمع عن طريق التخطيط والتنفيذ الجيد و الفعلي لأي عمل.
ضعف الإمكانات المادية
من جهته، أكد رئيس بلدية كسب واسكن جباريان في حديثه لـ”تشرين ” أن التشاركية موجودة ولكن لا نراها لضعف الإمكانات المادية لدى مجالس الإدارة المحلية والمجتمع الأهلي، ولو كان الوضع المادي للمواطن أفضل لقدم الكثير من المبادرات التي تخدم مجتمعه ومنطقته، حيث كان من الممكن تقديم طاقة بديلة للشوارع في مناطق الاصطياف والسياحة، وفي القرى هذا موجود و لكن بشكل ضعيف، لأن إمكانات المواطنين قليلة، وكذلك إمكانات الوحدات الإدارية.
وحسب جباريان، يتشارك المجتمع المحلي في كسب لتقديم أفضل الخدمات ضمن إمكاناته، ولكن التشاركية قد تقتصر على مجال من دون آخر وليس في كل المجالات والسبب، كما يؤكد، هو ضعف الإمكانات المادية.
اقرأ أيضاً: