ملف «تشرين».. “الجماعة التي لا يراها الناس إلّا يوم الانتخابات”.. المجالس المحلية تفقد ثقة الشارع في حمص
تشرين- ميمونة العلي:
في مطارح كثيرة فقدت المجالس المحلية ثقة الشارع، الذي أوصلها للكرسي بسبب الشللية وضعف الإيرادات وقلة التمويل، فلم تستطع الموازنة بين الإيرادات وبين النفقات وبين المصلحة العامة والمصلحة الشخصية الضيقة، فالكثير من رؤساء الوحدات الإدارية خرجوا من المنصب بإيرادات تفوق إيرادات البلديات ذاتها.. أين الخلل ؟ في آلية وصولهم للكرسي أم في الشللية والقوائم الانتخابية؟
خلل إداري
يلخص فؤاد محفوض رئيس بلدية سابق لمدة عشرين عاماً في بلديتي حاصور ثم المرانة، تجربته لـ”تشرين” بأنّ العقبات التي تحول دون تحقيق معادلة: الإيرادات تغطي النفقات في أغلب الوحدات الإدارية تعود إلى سوء إدارة الإمكانات نتيجة خلل التشاركية مع المجتمع المحلي، فالكثير من الوحدات الإدارية لديها إمكانات لكن الأداء ضعيف، فالخلاف غالباً يفوّت على الجميع الفائدة، وحتى تأخذ المجالس دورها يجب إعطاؤها الصلاحيات، فالمركزية في اتخاذ القرار تفوّت الفائدة ..هل يعقل كلما أرادت البلدية شراء لابتوب مثلاً يحتاج التنفيذ إلى تصديق في المحافظة، وأي مشروع يأخذ وقتاً طويلاً ما بين إعلانه وتصديقه، ما يجعل التنفيذ فاشلاً بسبب السرعة في تغير سعر الصرف،
الإيرادات تغطي النفقات في أغلب الوحدات الإدارية والخلل يعود إلى سوء إدارة الموارد
ولا ننسى قرار سحب مشاريع الصرف الصحي من الوحدات الإدارية وإعطائها لشركة الصرف الصحي “أهل مكة أدرى بشعابها” والوحدات الإدارية أدرى بأوضاعها من أي جهة أخرى، والحل بالمشاريع الاستثمارية التنموية الخاصة بكل وحدة المتلائمة مع خصوصية كل منطقة، والتشبيك مع المجتمع المحلي والابتعاد عن المركزية قدر الممكن، فكل محل له معاملة في البلدية من خلالها يمكن تقاضي الرسوم وزيادة الإيرادات لمحاولة تغطية النفقات.
فجوة
ولفت المحامي سامر العيسى إلى الفجوة الكبيرة بين المجتمع المحلي وبين المجالس المحلية، بدليل من يستشيرونه قانونياً في جدوى رفع دعوى حول عدم إدخال أرضهم في المخططات التنظيمية مثلاً، واستشارات كثيرة حول جدوى الشكوى على توزيع المعونات، بذار، شبكات تنقيط التي تتدخل بها المجالس المحلية بشكل مباشر وغيرها الكثير، ويرى أنّ صلاحيات واسعة ممنوحة للمجالس المحلية بموجب القانون رقم 107 لعام 2011 الخاص بالوحدات الإدارية، لكن هذا الكلام غير مفعل على الأرض، بدليل تراجع الخدمات في أغلب القرى والبلدات، صحيح أنّ موازنة الوحدات الإدارية مستقلة إلّا أنّ إيراداتها ضعيفة، فهي غير قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية يعود نفعها العام على واقع الخدمات.
أولويات مبعثرة
يتساءل المحامي عيسى.. كيف يتم تحديد أولويات المشروعات وأماكن تنفيذها، وهل نملك جميعاً ثقافة دفع رسوم الخدمات؟! نعم قانون الإدارة المحلية ملائم لروح العصر، ويعطي صلاحيات واسعة للمجالس المحلية لتخطط وتنفذ بهدف إيجاد تنمية اجتماعية واقتصادية، لكن لم أسمع على مستوى الجغرافية “الحمصية” أنّ بلدية ما أقامت حفل تكريم للمتفوقين من أبنائها، أو مشروع طاقة شمسية للاكتفاء الذاتي، وعمل المجالس يتطلب معرفة بالقوانين وتطبيقها بالشكل الصحيح، فعملهم ميداني وليس تحت التكييف، ويأتي استئثار رئيس بلدة ما بالقرار من دون استمزاج آراء الأهالي عثرة في طريق التنمية..
محفوض: الكثير من الوحدات الإدارية لديها إمكانات
لكن الأداء ضعيف فالخلاف غالباً يفوّت الفائدة على الجميع
لماذا لا تنشر البلديات على صفحاتها على الفيس بوك الخطط وتفاصيل المشاريع ومشاركة الناس جدول أعمال اجتماعات المجلس المحلي، ولنعطِ مثالاً عملياً على الأرض تمّ في إحدى البلديات تركيب إضاءة شمسية للشوارع، لماذا لا يعلن على صفحة البلدية أن البلدية تريد تركيب عشر وحدات إنارة شمسية على الطرقات في مداخل القرى وعند المنعطفات وليس قرب بيت رئيس البلدية، ونأتي إلى توسيع المخططات التنظيمية غالباً يتم التوسيع وفق مصلحة ضيقة..
أزمة ثقة
لقد فقدت المجالس المحلية في أماكن كثيرة الثقة حتى لو كانوا منتجات ديمقراطية وصار اسمهم (الجماعة الذين لا نراهم إلّا في الانتخابات) بسبب المال الانتخابي والقوائم الجاهزة، ولنسأل أنفسنا لماذا تنتشر الأحياء المخالفة فالكثيرون منا يفضلون دفع المعلوم على أن يدفعوا الرسوم فرخصة البناء مكلفة، لذلك المخالفة حلٌّ ممكن حتى لو كانت آثاره سلبية على المدى الطويل لجهة الحرمان من الخدمات، والحرمان من القروض وغيرها الكثير، ولعلّ ضعف إيرادات المجالس المحلية يجعلها عاجزة عن أداء الخدمات بالشكل الأمثل، والحل بالتشبيك مع المجتمع الأهلي، فلننظر إلى البلدات التي يعيش معظم أبنائها في المغتربات يرسلون كل عام التبرعات فينعكس هذا على مستوى الرضا والخدمات المقدمة، حتى إنّ مهرجان القلعة والوادي المنتظر يتم بالتشبيك والتشاركية مع المجتمع المحلي.
تجريب
ويرى المحامي وديع رومية مدرب تنمية بشرية في حمص، أنّه بعد وصول عضو المجلس المحلي للكرسي غالباً لا يملك الثقافة القانونية الكافية، فيبدأ بحل المشاكل عن طريق التجريب، ما يجعل الحلول مجتزأة أو غير مرضية، فلماذا لا تضاف شروط معينة للترشح لعضوية المجلس المحلي تتعلق بالتحصيل العلمي، بالإضافة للروتين والبيروقراطية الموجودتين في الدوائر،
العيسى: الفجوة الكبيرة بين المجتمع المحلي وبين المجالس المحلية
بدليل من الاستشارات القانونية عن جدوى رفع دعوى حول عدم إدخال بعض الأراضي في المخططات التنظيمية
والتشاركية في وضع الحلول تأتي من شعور كل فرد بأهمية دوره، فمن نظريات تأسيس الدولة الحديثة وعي كل مواطن بأهمية دوره تجاه المجتمع، أي أنا أستهلك الماء من دون صرفه، والحلول حصراً مجترحة من البيئة المحلية، لذلك تأتي بالتشبيك مع البيئة المحيطة، وكل عمل ناجح سيمر عبر لوجستيات ثابتة هي التخطيط ثم التنظيم فالتنفيذ وأخيراً التقييم، أيّ التغذية الراجعة، وهذه تأتي من المجتمع المحلي، وعملياً التشبيك موجود نظرياً، فرئيس الوحدة الإدارية هو ابن البيئة المحلية ويعاني المشكلات ذاتها ولديه واجبه تجاه من أوصله للكرسي، ولديه مصلحته الشخصية، فما المانع من وضع برنامج أسبوعي أو شهري كلقاء مع البيئة المحلية لدراسة الميزانيات، واستدراج العروض للمشاريع، والاستفادة من آليات التواصل الحديثة، وتمثل تجارب ناجحة تشبه بيئتنا المحلية كدولة الإمارات حيث يستثمرون مواقع التواصل لإشراك المغتربين من أبناء الإمارات في وضع الحلول والمقترحات، وعندنا هنا تجارب ناجحة ناشطة على مواقع التواصل لِمَ لا نتعامل معها ونشجعها والإضاءة على أسباب نجاحها، وتشريح أسباب الفشل في الحلول غير المجدية، ولدينا تحليل سوات العالمي الذي يركّز على الفرص، وتشخيص العقبات والتحديات لتجاوزها .
اقرأ أيضاً: