ملف «تشرين».. رغم الصلاحيات الواسعة والعوائد المالية المجزية.. الفجوة واسعة بين مجالس الإدارة المحلية ومسؤولياتها الحقيقية

تشرين- رشا عيسى:

الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها المجالس والوحدات الإدارية والمعززة بنظام مالي أعطاها عائدات مجزية واستثمارات تمكّنها من لعب دور أساسي على كل الصعد المحلية، ولكن رغم كل الامتيازات المالية والتنفيذية التي تتمتع بها، لم تصل إلى الدرجة ذاتها من العمل على الأرض، والتي توازي الصلاحيات والعائدات التي تحققها، بمعنى أدق لم يصلوا إلى مرحلة المسؤولية الحقيقية التي تتطلب منهم القيام بالدور الإستراتيجي الذي من الضروري أن يكونوا على قدره في ظل شبه قطيعة مع المجتمع الأهلي، والفعاليات المجتمعية العاملة على الأرض.

التشاركية بين القانون والواقع

المحامي فراس علي ميني أوضح لـ”تشرين” علاقة المجالس المحلية بالمجتمع الأهلي(التشاركية بين القانون والواقع) بالقول: في القانون جاءت المجالس المحلية بصيغة الانتخاب لتصل مُعبرة عن مشاكل وهموم المنطقة الإقليمية، التي تمثلها من الناحية القانونية، ومن المفترض أنّ هذه المجالس المحلية جاءت عبر برنامج خدمي تنموي يتناسب مع الواقع الخدمي للمنطقة التي تمثلها، ومراعية الإمكانات المتاحة (ميزانية + إمكانية لوجستية + أدوات).

ميني: العلاقة بين المجالس المحلية والمجتمع المحلي متوازية غير متقاطعة

والمجتمع المحلي (على افتراض اعتبرناه أفراداً أو جمعيات أو منظمات أو مؤسسات مهتمة بالشأن المجتمعي) لم يأتِ القانون على تنظيمه بشكل كافٍ وواف، إلّا من خلال قانون الجمعيات الذي أكل الزمان عليه وشرب، ولم يعد يواكب تطور المجتمع المحلي أبداً.
أمّا في الواقع فإنّ المجالس المحلية هي بالأصل تعمل وفق خطط مركزية وميزانية مركزية بغض النظر عن الاحتياجات الحقيقة للمناطق التي تمثلها، لذلك هي منفصلة في الواقع عن مجتمعها المحلي، وعن ما يمثل المجتمع المحلي من جمعيات ومؤسسات وأفراد، وتأتي ضمن أجندات حزبية ووجهات نظر حزبية بعيدة عن الواقع الخدمي والتنموي، ما يؤدي الى إقصاء المبادرات الفردية أو غير المدعومة حزبياً أو غير المرتبطة سياسياً.
أمّا عن واقع المجتمع المحلي فهو للأسف مشتت وغير مجدٍّ في أغلب الأحيان، كما يشير ميني وذلك لكونه غير ممثل مع المجالس المحلية إلّا بالحالات الإغاثية وبشكل ضئيل، لذلك فإن المجتمع المحلي (أفراداً وجمعيات ومؤسسات ومنظمات) يعمل عملاً موازياً للمجالس المحلية، لكن للأسف لا يتقاطع مع المجالس المحلية، وفي الأغلب الدعم يكون من المبادرات والبرامج التي يقوم بها، وبذلك يكون عملاً منفصماً ومنفصلاً عن الواقع أيضاً …للأسف.

ميني: التأسيس لاتحاد جمعيات ومؤسسات تنموية ومجتمعية يكون ممثلاً في المجالس المحلية بشكل عضوي

ويصف العلاقة بين المجالس المحلية والمجتمع المحلي بأنها علاقة متوازية غير متقاطعة، وهذا التشوه في العلاقة طبعاً استناداً لما أسلفت، بالإضافة إلى تصرف كل منهما على أنه بديل عن الآخر، بدلاً من أن يكونوا شركاء مكملين لبعضهما البعض، لتنمية المجتمع اقتصادياً وثقافياً وتنموياً وتوعوياً، حيث يعمل الطرفان ببيئة تحكمها مقولة قديمة للأسف وهي (شهية قوية وأسنان ضعيفة)، فإعلان الطرفين لاشك أنهما يودان أن يكونا مكملين لبعضهما (الشهية القوية)، لكن البيئة القانونية وآليات المشاركة مفقودة (الأسنان الضعيفة) وبهذه الحال المحصلة قريبة من الصفر أو صفر للأسف.
و لا ننكر بعض المحاولات الناجحة التي قامت بها بعض المنظمات والمؤسسات في فهم طبيعة عمل المجالس المحلية وتقاطعت معها بشكل إيجابي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (الأمانة السورية للتنمية, الهلال الأحمر العربي السوري).

فيوض: عدم وضوح الآليات الرقابية وانعدام مبدأ الحوكمة والتشاركية

وقدم ميني عدة مقترحات منها أنه لابدّ من ورشة متكاملة بين المجالس المحلية والمجتمع المحلي بكل مكوناته للخروج بنقاط تلاقٍ، أمّا على الصعيد الإستراتيجي فلابدّ من قانون جمعيات جديد، وإشراك المجتمع المحلي بشكل فاعل وأساسي بالمجالس المحلية بعيداً عن الانتماءات الحزبية والأجندات الحكومية المركزية، والابتعاد واقعياً عن المركزية، كذلك التأسيس لاتحاد جمعيات ومؤسسات تنموية ومجتمعية، ويكون هذا الاتحاد ممثلاً في المجالس المحلية بشكل عضوي وفاعل.

علاقة معدومة
رئيس و مؤسس الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سورية الدكتور حسام الدين خلاصي، وجد أنّ علاقة المجالس المحلية بمجتمع المنظمات غير الحكومية تكاد تكون معدومة، وينتج غالباً من تفاوت القدرات المادية واللوجستية بين الطرفين، والأمر الآخر يتعلق بالوصاية الفكرية والقانونية التي تمارسها مجالس الإدارة المحلية، وعادة ما تتقدم منظمات العمل بمشاريعها للمجالس المحلية، وليس العكس نظراً لضعف التعاون وانعدام الرغبة من قبل المجالس المحلية في التعاون مع المنظمات إلّا في حال الاستفادة الخاصة بالمجلس.

خلاصي: تفاوت القدرات المادية واللوجستية بين المجالس المحلية ومجتمع المنظمات غير الحكومية

وعن التشاركية بين القانون والواقع، أيضاً لفت خلاصي إلى أنّه لا يلحظ القانون التنوع المجتمعي والجنوح نحو حرية التصرف والإبداع لدى أفراد المجتمع وهيئاته الأهلية، فيأتي القانون كقالب جامد يحد من صلاحيات منظمات العمل المدني واقعياً.
و بالنسبة لعلاقة المجالس المحلية بالمجتمع الأهلي، أكدّ خلاصي أنه يميل إلى توحيد المصطلحات بمصطلح ( المجتمع المدني الوطني / منظمات غير حكومية) بدلاً من الأهلي والمحلي، وشدّد على اعتماده لمزيد من التركيز، إذ إنّه يضم جميع الفعاليات المجتمعية من لجان منبثقة عن أحزاب أو جمعيات أو مؤسسات خدمية وأفراد بحيث يشمل الجميع وجميع نشاطاتهم السياسية والاقتصادية والمجتمعية .

عدم وضوح الآليات الرقابية

الباحثة المهندسة مريم جودت فيوض شرحت أنه عبر التاريخ يتم سن القوانين لخدمة المجتمع وحماية حقوق الأفراد فيه، عبر تنظيم العلاقة بين مكونات المجتمع وتلبية الاحتياحات الفردية وترتيبها ورسم حدودها وآليات تلبيتها، ما يحقق بالحصيلة الإجمالية تطوير وتنمية المجتمع، وهذا ما سعت إليه كل التشريعات، ومنها تشريع قانون الإدارة المحلية الذي رسم وبكل وضوح آلية تمثيل شرائح المجتمع ضمن المجالس البلدية، وآلية ممارسة أدوارها، وكيف يجب أن تحقق دورها المنوط بها، ولكن ما حصل على أرض الواقع هو الضعف في التطبيق عبر انكفاء آليات الرقابة والمتابعة من قبل جموع الناس التي كان لها الدور الرئيس في تشكيل هذه المجالس، والسبب الرئيس في ذلك عدم وضوح هذه الآليات الرقابية، وانعدام مبدأ الحوكمة والتشاركية.

شعبان: هل المجالس المحلية كانت الملاذ الآمن، وصلة الوصل الوثيقة بين الشعب والحكومة؟

وهذا أدى إلى ضعف الثقة بين الطرفين ما جعل النتائج أقل مما تطمح إليه جموع الناس عامة وهي شريكة في التطبيق عبر أدوات تبدأ بالإعلام، وتستمر لمختلف آليات الرقابة الأخرى المنتشرة في مختلف الدوائر والفعاليات التابعة لهيكليات المجالس المحلية، و تسعى اليوم الجهات الحكومية لتفعيل هذا النهج التشاركي ما بين المجالس والمواطنين وآليات الرقابة والإعلام، والذي نأمل منه نتائج إيجابية فعلية ملموسة على صعيد المجتمع.

الشعب مصدر كل سلطة
من جهتها الباحثة الاجتماعية الدكتورة سلوى شعبان أشارت إلى أنّ المجالس المحلية بمسؤوليتها المعروفة تعدّ السلطات اللامركزية الإدارية، وهذا ما جاء في قانون الإدارة المحلية كمبدأ لتعزيز لامركزية السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي فئات الشعب تطبيقاً لمبدأ الديمقراطية، الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة، فالقرارات تعطى للوحدات الإدارية الممنوحة اختصاصات واسعة، ولها شخصية اعتبارية واستقلالية مادية تمكنها من ممارسة دورها الخدمي والتنموي والنهوض بالمجتمع المحلي وضمن السياسة العامة للدولة.

هل المجالس المحلية صلة الوصل بين الشعب و الحكومة؟

وبعد الاطلاع على مهمة المجالس المحلية وصلاحياتها، ومن خلال ما نراه بأم أعيننا وما يعانيه شعبنا الصابر بعد حصار دولي قاسٍ مفروض علينا مع سنيٍ حرب مقيتة وتحديات وعقوبات وكارثة الزلزال الذي كان تجربة مريرة وضعتنا جميعاً ضمن دائرة السؤال الآتي؟
هل المجالس المحلية كانت الملاذ الآمن، وصلة الوصل الوثيقة بين الشعب والحكومة؟؟ هل هناك تشاركية تلبي متطلبات المواطنين وتقدم لهم المساعدة والعون؟.
الجواب بالتأكيد سيكون البعد والجفاء هو الصفة التي نصف بها تلك العلاقة، والتي من المفروض أن تكون عكس ذلك.
شعبان رأت أن الواقع يتحدث عن احتياجات خدمية وشكاوى كثيرة من المدن والقرى على اختلاف الخدمات والمشكلات، وخاصة الواقع المعيشي المتدهور والغلاء العالمي والمحلي مع قلة الإيراد المالي تماشياً مع بقية شعوب الأرض، لم نرَ مسؤولي الإدارات المحلية يتجولون في الأسواق ليضبطوا الأسعار، ويقدموا اعتراضهم على استهتار التجار بالتلاعب بمصير المواطنين الفقراء.

حسن : النجاح الحقيقي لعمل الوحدات الإدارية يُختصر بالتشاركية مع المجتمع المحلي والأهالي

ولم نرَهم يدافعون عن المزارعين وتعبهم، وهذا التفاوت الكبير بين ما يقدمونه وما يحصلون عليه، كم من الشكاوى ترد من دون جواب؟ نعم كانوا بعيدين كل البعد عن المواطن وكأنهم في خصام عتيق، لا تشاركية ولا قرب ممن أوصلوهم لكراسيهم المسؤولة وأعطوهم الثقة والأمانة، بغض النظر عن الكثير من المسؤولين الذين يعملون بصدق وأمانة كبيرة من دون تمييز أو محسوبيات أو فائدة شخصية.

القليل من الاهتمام والعناية
وأكدت شعبان أن كثير من المشكلات تحل بسرعة بقليل من الاهتمام والعناية والدمج ما بين عمل تلك المجالس وعمل المؤسسات اللاحكومية والجمعيات والهيئات، مع المراقبة والمتابعة بكيفية العمل.
فمجتمعنا المحلي متعاون بجميع فئاته يعرف قيمة العمل المجتمعي التشاركي، ويعرف القيمة المتحققة من ذلك ومردودها على تنمية المجتمع ونهضته.
ولو تضافرت الجهود من قبل الطرفين لحققنا الكثير ووصلنا لحلول جذرية مجدية، فهناك الكثير من الأفكار والمقترحات والآليات التي من الممكن اللجوء إليها، والاستماع لمقدميها وتسهيل وتذليل العقبات والروتين لأخذ النتائج، وإعطاء هؤلاء المسؤولين فرصة زمنية لإثبات إمكاناتهم الفعلية وحصيلة إنجازاتهم المقدمة للشعب، مع عدم الإطالة ضمن المكان نفسه، وإقصاء من لا يثبت ذلك وتحت المحاسبة القانونية فهناك من هو جدير أكثر منه.

من جهتها تساءلت المحامية كندة حسن: لماذا يتم اختصار العمل ضمن البلديات والمجالس المحليات في عمليات وهدم المخالفات ومخالفة المحال والبسطات بينما عملها خدمي واسع وبقوة القانون الذي أوجد لها الأرضية المناسبة للاستثمار ضمن رأس المال المحلي؟ وكذلك التفاعل مع المجتمع المحلي في التخطيط والإشراك في التنفيذ.

سلوم: تفعيل دور الشباب بإنشاء لجنة خاصة ووسيطة

يقود الدفة بتوجيه الآليات والقرارات بشكل يخدم المجتمع

وبيّنت حسن أنّ النجاح الحقيقي لعمل الوحدات الإدارية هو التشاركية الحقيقية مع المجتمع المحلي والأهالي، وكلما كانت هذه التشاركية فعّالة، كانت النتائج على الأرض مرضية، ولكن حتى الآن لا يبدو الرضا حقيقي لعمل الوحدات الإدارية إلّا ما قلّ منها، مبيّنة أنّ الضائقة الاقتصادية الحالية كشفت المزيد من عدم فعالية هذه الوحدات التي بقيت غائبة عن أزمات المجتمع الفعلية وخاصة خلال الفترة الأخيرة.
واقترحت حسن اعتماد نظام التقييم في نهاية كل عام و تكون مسؤولة عنه وزارة الإدارة المحلية، التي تجري نوعاً من المقارنة بين نسبة المشاربع الاستثمارية المحققة والإيرادات، وكذلك مدى رضا المجتمع المحلي عن إداراته المنتخبة من قبلهم.

تفعيل دور الشباب والإعلام المحلي

المهندس منتجب عبد العزيز سلوم أكدّ ضرورة التذكير بدور الإعلام المحلي سواء المسموع والمقروء والمشاهد عبر إفراد زوايا ومقالات خاصة بهذا الموضوع، ونقل الاجتماعات الدورية الخاصة بلجنة كل حي أو قرية أو مدينة، ومتابعة تنفيذ القرارات والتوصيات والخدمات المطلوبة
وكذلك يجب تفعيل دور الشباب بإنشاء لجنه خاصة، ووسيطة في كل مكان لكي تقود الدفة بتوجيه الآليات والقرارات بشكل يخدم المجتمع بأفكار جديدة ودماء ناضجة باقتراحات وطلبات وتوصيات تخدم المجتمع.
وإنشاء شبكات تواصل اجتماعي خاصة بكل حي أو قرية أو مدينة ومتابعة ومعروفة من قبل الأهالي حتى يكون كلُّ شيْ موضحاً ومبيناً بشكل إداري وتنفيذي، وتسهم في وصول الصورة كاملة لمعوقات العمل والاقتراحات من السكان أنفسهم لتتسم أعمال الجميع بالشفافية والوضوح والديناميكية اللازمة، لكي يسهم الجميع في مختلف الأعمال ومختلف الاقتراحات، ويتم التوصل للحل الأمثل الخاص بكل مشكلة أو إشادة أو فتح طريق أو شبكة تصريف أو شبكة تغذية مائية أو كهربائية.

الجاموس: تحويل جزء من إدارة المجالس المحلية إلى شركة مستقلة

وتشريع القوانين الخاصة بمحاسبة أعضاء المجالس وحتى من السكان، واطلاع الجميع على فحواها، وآلية تنفيذها وتطبيقها حتى يكون الجميع ضمن المسائلة القانونية.

شركة مستقلة
واقترح الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس أن يتحول جزء من إدارة المجالس المحلية إلى شركة مستقلة مسؤولة من قبل مدير ومعاون مدير، ومن لجنة موضوعة للاستثمار بالمشروعات الخاصة بعيداً عن صيغة الشراكات أو الاستثمارات غير المباشرة، بل مشروعات خاصة وقائمة بحد ذاتها على موجودات الإدارة المحلية باستثمارها بشكل خاص من قبل هذه الشركة التابعة لمجالس الإدارة المحلية سواء كانت متاجر غذائية أو ألبسة وغيرها تعود بالربح على مجالس الوحدات الإدارية.
وتعدّ هذه الشركة جزءاً من عمل الوحدة الإدارية، وليس بالضرورة أن يكون رئيس الوحدة الإدارية هو ذاته رئيس الشركة، حيث من الممكن تشكيل لجنة خاصة بكيفية الحصول على إيرادات لافتتاح محال تجارية تحت سلطة الإدارة المحلية وبأسعار تتلاءم مع القدرة المادية للمجتمع الموجودة فيه.
وبيّن الجاموس أنّ وجود هذه الشركات يحقق عاملين في الوقت ذاته، الأول، ضبط زيادة إيرادات الوحدات الإدارية، والثاني ضبط أسعار المنافسين أي القطاع الخاص الذي يعمل خارج الضوابط السعرية.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. التشاركية بين المجالس المحلية والمجتمع خيار أوحد للتنمية الحقيقية.. خبراء يقترحون مسارات للتقارب بانتظار الترجمة الفعليّة

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار