عن جماعة «تشيخوف» و«ديستوفسكي» و«التبريزي»
أستطيع تصنيفهم ضمن خمس طوائف، وربما كانوا أكثر من خمس، وذلك بالرجوع إلى الغايات والأهداف، والدوافع.
الطائفة الأولى: المفلسون الذين يستعيرون أي جملة أو عبارة تُلفت انتباههم، وبدل نقلها عن أصحابها الحقيقيين، يُلصقونها بأي شخصية معروفة قد تخطر على بالهم، ومن أي زمنٍ كانت.. الطائفة الثانية، وهي الأكثر خطراً من الأولى، وهي التي تتقصد هذا الخلط، وعن سوء نية، رغم علمها الأكيد بالخطأ القاتل، وقد يكون ليس لأي غاية سوى العبثية.. الطائفة الثالثة: وهي تزيدُ السابقتين خطورةً: بمعنى تتقصد هي هذا الخطأ القاتل لتمرير فكرها السيئ، بمعنى، تُلصق تلك العبارات لغايات جرمية، فهي إما تريد تمرير فكرها عن طريق نسبه لشخصيات محترمة، ولها وزنها التاريخي ومن عيارات مختلفة تبدأ من الفكرية والإبداعية وحتى الدينية، أو حتى تُسيء لتلك الشخصيات بتقويلها كلامها وفكرها هي، رغم بعدها عن نهج تلك الشخصية، أو بعدها عما عُرف عنها ودوّن وسُجل.. الطائفة الرابعة: وهي طائفة الساخرين، إذ إن لدى هؤلاء المفعمين بروح التهكم، الكثير من هوس نسب أفكارهم ونصوصهم من دون غيرها من النصوص لتلك الشخصيات.. القصد منها وجه من أوجه السخرية، وعلى الأغلب يوحون بذلك من خلال الصياغة، ولاسيما فيما يتعلق بالتركيز على الزمان، وهنا تكمن روح السخرية، كأن يتحدث الشيخ (التبريزي)، عن مشكلة الاتصالات على سبيل المثال، أو جملة تحكي عن (الفيسبوك)، وتنسب لـ (شكسبير).. الطائفة الخامسة والأخيرة: وهي التي تنقل وتنسخ كل ما تقدم، وتُعيد لصقه مرةً أخرى بعدوى «النقل» التي تنتاب «القطيع» وعن كامل الجهل، ومن دون أي تدقيق في صحة تلك المقولات، وحتى صحة نسبها لتلك الشخصيات، وهي تكون بذلك ضحيةً مرتين: ضحية لهؤلاء «النسابين» المشكوك في دوافعهم «النسبية»، وضحيةً لجهلهم أنفسهم.
غير أن الضحايا الذين يقع عليهم ظلم وعبث تلك «الطوائف النسّابة»، فهم الشخصيات التي تُنسب إليهم تلك المقولات والأفكار التي – كما ذكرنا – يكون عالمهم ونهجهم أبعد عما يُلصق بهم، والذين كانوا في الأغلب من أزمنة مختلفة، ومن بيئات متنوعة، تبدأ من الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وربما كان أكثر ممن يُنسب إليه مما يُسمى حكماً وأقوالاً، وللأسف، فقد نُسب لأمير المؤمنين أقوال كثيرة لم يقلها يوماً قبل زمن الفيسبوك والميديا الجديدة، مثل كتاب (أسألوني قبل أن تفقدوني) على سبيل المثال، والكثير غيره، رغم أنه وباستثناء كتاب (نهج البلاغة)، فقد يُشك بكلِّ ما دوّن عن أول فتى آمن بالإسلام.
ومن الشخصيات الأخرى التي يُلصق بظهرها الكثير من العبارات في «مهرجان الأقوال الفيسبوكي»: شمس التبريزي الذي لم يترك كتاباً مدوناً كما هو معروف، ولم يُعرف من أقواله إلا ما قاله عنه جلال الدين الرومي.. والذين لهم حصة كذلك في مهرجان الأقوال هذا كثيرون منهم: تشيخوف، دوستوفسيكي، وقليلاً شكسبير، أما المتصوف الهندي – الأمريكي «أوشو»، فهو أكثر من أفعمت «أقواله» الجدران الزرقاء حقاً وباطلاً.