نافذةُ القلب ورياحُ العالم!!
منذ ألفي سنة أو أكثر، صاغ الرواقيون مبدأهم في اليونان القديمة «الإنسان مواطن العالم» وفيه تجاوزوا الهوة بين الطوائف والأعراق، وغيرهما مما يُفرق بين البشر، أي إنهم تجاوزوا في تفكيرهم حتى زمننا الآن، وذلك عندما دعوا كل إنسان لتحقيق إنسانية مشتركة.. فإذاً كان الفيلسوف الرواقي يجسد في تفكيره، ورغم كل العوائق التي كانت ماثلة في ذلك الزمان الكرامة المشتركة لكل إنسان في هذا الكون، غير أن الرواقية للأسف بقيت بلا غدٍ..!
وأما أسباب هذا التقهقر، فيذكر الكاتب الفرنسي جان إيف لوبيتال – المتخصص بالتصوف الإسلامي- أنها تكمن في تغلب فكرة التراتبية على المساواة، والمنافسة بين الحضارات على مبدأ التكامل والحوار فيما بينها، وحتى عندما ظهر التوحيد، فقد احتكر «الحقيقة» لنفسه، فكانت أن حدثت «صليبيات وداعيشيات» متعددة فيما بينها، مع أنهم جميعاً كما يذكرون يعبدون إلهاً واحداً، وكأن الإنسان الكوني لم يأتِ، فلاتزال تُكرّس القوة على الضعيف، ولايزال هناك شمالٌ وجنوب، وشرقٌ وغرب، وهو الأمر الذي يحاول أن يختزل الغنى الثقافي وتنوعه..!
ثمة «جدلية» هنا يُشير إليها لوبيتال، وهي هذه الحركة المزدوجة.. إذ كيف للإنسان أن يكون عالمياً من دون أن يفقد خصوصيته، فنحن حساسون للتنوع، ومع ذلك نتوق للوحدة..؟!
منذ أول القرن الماضي نشأ ماردُ الاقتصاد، وها هو يتجاوز بسلطانه كلَّ الحدود، ومنذ ذلك الوقت؛ والغربُ ينتصر على الشرق، والعدوانية تنتصر على الفكر التأملي، ومع أن جان إيف لوبيتال يؤكد أن سوء الفهم سيتفاقم، وذلك لأننا أمام فكرٍ غربي لا يستسيغ الدّين، أمام فكرٍ آخر مُتديّن على الطرف المقابل، ومع أن «مالرو» تحدث ذات مرة عن إمكانية روحانية القرن الحالي، غير أن العقل العالمي على طرفي البحر هو الذي يوفر الحكمة التي تقرّب بين الشعوب، وهنا لابد للفكر الغربي من التواضع، ولابد للفكر الديني من أن يقبل التنوع وقبول الآخر، وحسب ابن سينا:« فالناس حقلٌ إمكاني، وكذلك النص..» بينما يؤكد أدونيس: «إن النصوص ليست نفقاً، بل هي أفق مفتوح على كلِّ التساؤلات..« وثمة عالمٌ صوفي إسلامي كان لا يملُّ يردد:« أفتح نوافذي لكلِّ رياح العالم، من دون أن أسمح لها أن تقتلعني من جذوري..».!!
هامش:
……………
أيها الكائنُ
يا صديقي؛
أكان عليك أن تعشقَ بكلِّ تدفقك،
وبما ملك قلبك؟!!
فها قد أمسى نبعُ الحبِّ عطشاً..
واليدُ الحانية
التي تعبثُ بشعركَ،
وتُربتُ على كتفيك الآن؛
هي يدُ نفسكَ،
وليست كما شُبّه لكَ؛
إنها
للمرأةِ التي أدارتْ لكَ ظهرها منذُ قليل
دون أن تنظرَ
حتى لتلويحتكَ الأخيرة!!